المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

41

أقول: لا أدري كيف جعل استخراج أُمور دقيقة غير مطابقة للواقع إفراطاً في القوّة العاقلة وحِدَّة لها، أفهل ترى لو استعملت القوّة العاقلة أكثر ممّا يُسمّى بالحدِّ الوسط أوجبت خطأً ولماذا؟ أوليست قوّة العقل والإدراك كلَّما اشتدَّت في الإنسان وقوي الإنسان على استعمالها كان ترقُّب كشف الحقائق أكثر؟! وليس استعمال قوّة التفكير بمنهج غير صحيح وموجب للوقوع في الخطأ إلاَّ نقصاً في عرض نقص عدم استعمال تلك القوّة أو البلادة الموجب للجهل البسيط، وجعل استعمال القوّة العاقلة بالنحو الصحيح وسطاً بين عدم استعمالها رأساً واستعمالها بشكل غير صحيح ليس ـ أيضاً ـ إلاَّ تلاعباً بالألفاظ.

 

المِقياس الثامن ـ حسن العَدل وقبح الظلم:

بمعنى أنَّ العناوين التي تحمل بذاتها الحسن والقبح إنَّما هي العَدل والظلم، وما سواهما يكون حسناً إذا دخل في العَدل، وقبيحاً إذا دخل في الظلم، فضرب اليتيم ـ مثلاً ـ ليس في ذاته حسناً أو قبيحاً، ولكنّه حينما يدخل في العَدل كما في ضرب وليِّه إيّاه لغرض التأديب يكون حسناً، وحينما يدخل في الظلم كما لو كان لغرض الإيذاء لا التأديب يكون قبيحاً. ومن هنا لا ترى مجتمعاً أو شخصاً اعتياديّاً يناقش في حسن العدل أو قبح الظلم، ولكن يجري الاختلاف في حسن أو قبح عناوين أُخرى؛ نظراً لاختلافهم في دخولها في العَدل أو الظلم.

ثُمَّ إنَّنا لو فسَّرنا العَدالة بمعنىً يكون مترتِّباً على سائر الفضائل، من قبيل ما مضى عن بعضهم: من أنَّ الفضائل الثلاث ـ وهي: الحكمة، والعفَّة، والشجاعة ـ إذا اعتدلت نشأ عنها العَدل، فلا معنى لفرض العَدالة والظلم مِقياساً للفضيلة والرذيلة، بمعنى كونهما رأس الخيط لذلك.

ولو فسَّرنا العَدالة ـ كما مضى عن بعض آخر ـ بأنَّها عبارة عن انقياد العاملة للعاقلة في استعمال نفس العاقلة وقوتيْ الغضب والشهوة، كان هذا عبارة أُخرى عن أنَّ مِقياس الفضيلة والرذيلة هو العقل.