المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

40

بالحذر ممّا ينبغي الإقدام عليه(1) فأَخذوا في موضوع التهوُّر والجبن عنوان ما ينبغي، وهذا معناه ثبوت انبغاء وعدم انبغاء (وهو حقيقة الأخلاق) قبل التهوُّر والجبن.

ولو تأمّلت فيما ذكرناه لا نفتح عليك باب واسع لنسف الأُسس التي أُسِّس عليها علم الأخلاق في مثل كتاب جامع السعادات.

وأمّا النقض بالعَدالة والظلم فإنَّما يرد على مبنى عدِّ العَدالة فضيلة مستقلَّة في مقابل سائر الفضائل، ولا يرد على مثل النراقيّ في جامع السعادات.

وعلى أيِّ حال، فما قيل من أنَّ العَدالة وسط بين الظلم والانظلام مَهْزلةٌ من الكلام، فإنَّ الانظلام يُقصَد به هنا قبول الظلم وعدم دفعه، فإن عُدَّ هذا مشاركة في الظلم مع الظالم؛ لأنَّه كما لا يجوز ظلم الآخرين كذلك لا يجوز ظلم النفس إذن، فالانظلام ظلم وليس طرفاً آخر للعدالة غير الظلم، وإلاَّ فليس الانظلام قبيحاً.

ومن النقوض التي ترد عليهم مثال الحكمة لو بنينا على ما بنوا عليه من عدِّ الحكمة من الفضائل.

وقد جاء في كتاب جامع السعادات(2): أَنَّ حقيقة الحكمة هو العلم بحقائق الأشياء على ماهي عليه، وهو موقوف على اعتدال القوّة العاقلة، فإذا حصلت لها حِدَّة خارجة عن الاعتدال تخرج عن الحدِّ اللائق، وتستخرج أُموراً دقيقة غير مطابقة للواقع، والعلم بهذه الأُمور هو ضدُّ الحكمة من طرف الإفراط، وإذا حصلت لها بلادة لا ينتقل إلى شيء فلا يحصل لها العلم بالحقائق، وهذا هو الجهل، وهو ضدُّه من طرف التفريط، فالحكمة وسط بين طرفين: الجربزة والبله، أو السفسطة (أي الحكمة المموّهة) والجهل (أي البسيط منه).


(1) جامع السعادات 1/81 .

(2) جامع السعادات 1 /80 و 81 .