المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

39

بينهما، لو عُرِضَ عليهم فمقتضى المشي على مشاربهم وأساليب بحثهم أن يجيبوا عن ذلك بأنَّ الصدق والكذب، أو الإرشاد والتضليل(1) ـ مثلاً ـ ليسا من الفضائل والرذائل الأصيلة، بل يرجعان إلى الفضائل الأربع وأطرافها، كما قال في جامع السعادات(2): إنَّ الكذب في القول إذا نشأ من العداوة أو الحسد أو الغضب، كان من رذائل قوّة الغضب، وإذا نشأ من حبّ المال والطمع أو الاعتياد الحاصل من مخالطة أهل الكذب، كان من رذائل قوّة الشهوة.

فالنراقيُّ(رحمه الله) يعدِّد مناشئ الكذب في القول ويرجعها إلى أُصولها، فمثلاً إذا نشأ الكذب من قوّة الغضب فهو واقع في أحد طرفي الإفراط أو التفريط للغضب، والحدُّ الوسط له هو الشَّجاعة، وهكذا.

إلاَّ أنَّ هذا الجواب ـ الذي في أكبر الظنّ سوف يجيبون به لو وجِّه إليهم الإشكال ـ لا يسمن ولا يغني من جوع؛ إذ هذا إنَّما يتمُّ لو قلنا: إنَّ الصدق والكذب، أو الإرشاد والتضليل ليسا بما هما حسناً وقبيحاً، وإنَّما يتصفان بالحسن والقبح لدخولهما ـ مثلاً ـ في التهوُّر أو الجبن، وهما قبيحان، أو في الشَّجاعة، وهي حسن، في حين أنّه ليس الأمر كذلك، فقبح الكذب أو التضليل ـ مثلاً ـ ثابت حتّى لو فرض عدم نشوئهما من التهوُّر أو الجبن، أو من أيِّ طرفين من طرفي الإفراط والتفريط التي تذكر للفضائل الأربع.

وممَّا يشهد لذلك أنَّهم قد فسَّروا التهوُّر الذي هو طرف الإفراط للشجاعة بالإقدام على ما ينبغي الحذر منه، والجبن الذي هو طرف التفريط للشجاعة


(1) هذا التعبير الثاني فرقه عن التعبير الأوّل أنّه يشمل التورية ـ أيضاً ـ ولا يختصّ بالكذب.

(2) جامع السعادات 2/246.