المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

36

وليس من الصحيح ما جاء في الوجهين الأخيرين: من افتراض قوّة عاملة في النفس (وهي مبدأ تحريك البدن) في مقابل قوَّتي الغضب والشهوة، وهما مبادئ دفع غير الملائم وجلب الملائم، فإنَّهما بنفسهما عاملتان ومحرِّكتان بلا حاجة إلى فرض قوَّة عاملة أُخرى.

كما أنَّ ما في هذه الوجوه الثلاثة من حصر قوى النفس المرتبطة بالأوصاف والأفعال في هذه القوى الثلاث أو الأربع لا مُبرِّر له، فمثلاً: قوّة العطف والرقَّة والترحُّم على الضعيف والمظلوم قوّة تحبِّذ للإنسان نصرة الضعيف والمظلوم، لا من باب أنَّ هذا جلب لما يلائم النفس أو دفع لما ينافرها، بل تكون نصرة الضعيف والمظلوم ملائمة للنفس، وتركها منافراً لها في طول هذه القوّة.

هذا بناءً على افتراض وجود قوّة ـ حقّاً باسم قوّة جلب الملائم، وقوّة أُخرى ـ حقّاً باسم قوّة دفع المنافر وراء نفس القوى التي جعلت الملائم ملائماً والمنافر منافراً.

وأمَّا بناءً على ما لا تبعد صحته من أنَّ قوّة جلب الملائم أو دفع المنافر عبارة عن نفس القوى الملائمة لبعض الأشياء والقوى المخالفة لبعضها، فهي بمعونة القدرة وقوّة العضلات تحرّك الإنسان نحو الجلب والدفع. إذن ففرض كلٍّ من قوتي جلب الملائم ودفع المنافر أو كلٍّ من قوتي الشهوة والغضب قوّة واحدة ليس إلاّ لعباً بالالفاظ وتسميةً لعنوان انتزاعيٍّ انتزع من مجموعة قوى باسم قوّة واحدة.

وأمّا كلمة الاعتدال التي جاءت في بعض هذه الوجوه فقد ترجع إلى نظريَّة الأوساط التي سيأتي الكلام عنها في الكلمة الثالثة.

الكلمة الثالثة: هي نظريّة الأوساط أو الوسط العادل. فقد نُقِلَ عن أرسطو أنّه كان يذهب إلى أنّ جِماع الفضائل «خضوع الشهوات لحكم العقل وتسليم زمام الشهوات للعقل يقودها» فللفضيلة عنصران: العقل والشهوة، فلا بدَّ من شهوة