المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

33

واحدة، وهي: المعرفة. وقد نُقِل عنه(1) ما يرجع إلى تحديد مِقياسيّة المعرفة. وتفسيرها بجانبين:

الأوَّل ـ الجانب السلبيُّ، وهو: أنَّه لا خير إلاَّ بالعلم، فإنَّ الإنسان لو عمل عملاً لا يعلم بخيريَّته فليس خيراً ولا فضيلة.

والثاني ـ الجانب الإيجابي، وهو: أنَّ من عَلِم علماً تاماً بأنَّ الشيء خير، فعلمه يحمله حتماً على عمله، ومعرفته بضرر شيء تحمله حتماً على تركه، وليس أحد يعمل الشرَّ وهو عالم بنتائجه، فكلُّ الشرور ناتجة من الجهل.

وشيء من الجانبين غير صحيح:

أمَّا الجانب السلبيُّ فلأنَّ الخير لا يتقوّم بالعلم بكونه خيراً، فمَنْ يُكرِم الناس أو المجتمع ويُعين المظلوم فقد فعل خيراً، وكان متَّصِفاً بصفة حسنة، ولو لم يعلم هو بخيريّة هذا الفعل وهذه الصفة. وقد ثبت في علم الأُصول أنَّ الشيء يستحيل أن يتقوَّم بالعلم بنفسه.

نعم، حسن السريرة وسوء السريرة يتقوَّمان بمدى انكشاف موضوع حسن الفعل وقبحه، ومدى قصد الفاعل لذلك الموضوع، كما أنَّ سوء السريرة يتقوَّم بمدى انكشاف نفس قبح الفعل، وليس فقط بانكشاف موضوعه، فمن تربّى ـ مثلاً ـ في بيئة تعتبر أنَّ النهب والغارة والتهجّم شجاعة حسنة واعتقد بذلك، ففعله لذلك لا يدلُّ على سوء سريرته، ولكن فعله قبيح على أيِّ حال، والذم ينصبُّ على الفعل ولا ينصبُّ على سريرة الفاعل.

وأمّا الجانب الإيجابيُّ فلأَنَّه ليس كلُّ مَنْ يعلم بخيريّة الخير وشريَّة الشرِّ وكان ملتفتاً إلى الآثار والنتائج كان من المحتَّم أنّه سوف يتَّجه نحو الخير ويترك الشر؛ لأنَّ الحاكم في النفس البشريّة ليس منحصراً في العقل حتّى يتبع ما يراه حقّاً


(1) كتاب الأخلاق: 193.