المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

312

وارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر الله لك»(1).

وهنا يبرز سؤال، وهو: كيف نفسّر تساوي الخوف والرجاء في نفوس أولياء الله الذين يشتدّ عندهم الخوف أو الرجاء أكثر بكثير من المقدار المتعارف لدى المؤمنين الاعتياديين مع أنّ نموّ أحدهما لابدّ أن يكون على حساب الآخر؛ إذ لا يمكن أن يزداد مجموعهما عن المئة بالمئة؛ لأنّ أحدهما نقيض الآخر؟!

والجواب: أنّ ضرورة تساوي المجموع للمئة بالمئة وكون نموّ أحدهما على حساب ضعف الآخر إنّما يتمّ في درجة احتمال النجاة مع درجة احتمال الهلاك، أو درجة احتمال الثواب مع درجة احتمال العقاب وما إلى ذلك، ولكن قد يشتدّ الخوف والرجاء على أساس قوّة المحتمل لا على أساس قوّة الاحتمال، ففرق كبير بين خوف ورجاء مَنْ ليس له تصوّر عن الجنّة والنار إلاّ التصوّر الساذج الابتدائي، وخوف ورجاء مَنْ هم والجنّة كمن قد رأوها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رأوها فهم فيها معذّبون، وفرق كبير ـ أيضاً ـ بين هذا الخوف والرجاء والخوف والرجاء لمن يكون همّه رضوان الله الذي هو أكبر من الثواب المادّي، أو يكون همّه لقاء الله بمعناه الصحيح، والنظر إلى الله بالمعنى الوارد في قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾(2) والهرب من الحجب بالمعنى الوارد في قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذ لَّمَحْجُوبُونَ﴾(3) ومن الفراق بالمعنى الوارد في دعاء كميل: «... فكيف أصبر على فراقك...».

وهناك جواب آخر، وهو: أنّ متعلق الخوف قد يختلف عن متعلق الرجاء فلا يلزم كون نموّ أحدهما على حساب الآخر وذلك من قبيل أن يكون الرجاء برحمة


(1) المصدر السابق: الحديث 6.

(2) السورة 75، القيامة، الآيتان: 22 ـ 23.

(3) السورة 83، المطفّفين، الآية: 15.