المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

284

قد فسّر بعض الاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله الواردين في القرآن الكريم: بأنّ الثاني هو: الاحتماء بطاعة الله، وهو اعتصام عامّة الناس. والأوّل هو: الانقطاع إلى الله عن كلّ موهوم، وذلك إمّا بمعنى الإعراض عمّا عداه، والتمسّك به وحده، وهو اعتصام الخاصّة، أو بمعنى الاتّصال الذي يعني الوصول إلى شهود الحقّ تفريداً، وهو اعتصام خاصّة الخاصّة(1).

أقول: الاعتصام معناه: الدخول في عصمته وحصنه، والاحتماء به على اختلاف درجات ذلك باختلاف درجات عرفان العبد.

وتعابير القرآن اتَّفقت على الاعتصام بالله، أمّا الاعتصام بحبل الله فلم يرد إلاّ في مورد واحد. والظاهر أنّ سبب الفرق هو: أنّ المقصود في باقي الموارد في القرآن كان هو بيان أنّ الحصن الوحيد الواقي من جميع الأخطار هو الله تعالى، فلابدّ من الاعتصام بعصمته بالشهادة المخلصة بالوحدانية. وفي خصوص المورد الذي عُبّر بالاعتصام بحبل الله كان الكلام عن توحيد الصفّ وعدم التفرّق، فناسب التعبير بالحبل الذي هو عِقد يوحّد المفردات المختلفة، وإشراب الاعتصام معنى التمسك، فالمعنى ـ والله العالم ـ تمسّكوا بحبل الله، وتوحّدوا بذلك ولا تفرّقوا. وقد فُسّر حبل الله في أكثر رواياتنا بعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أو بالأئمّة المعصومين(عليهم السلام)(2).

ومن الروايات الطريفة الواردة بشأن الاعتصام بالله ما ورد عن عبدالله ابن سنان بسند صحيح، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «أ يّما عبد أقبل قِبَل ما يحبّ الله عزّوجلّ أقبل الله قِبَل ما يحبّ، ومَنْ اعتصم بالله عصمه الله، ومَنْ أقبل الله قِبَله


(1) منازل السائرين باب الاعتصام، وهوالباب السابع من البدايات. ويُحتمل في عبارته أن يكون المقصود ماهو من خرافات العرفان الكاذب فراجع.

(2) راجع تفسير البرهان 1/305 ـ 307.