المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

28

على أساس شبهة حصلت للمخالف غطَّت إدراكه النابع من حاقِّ نفسه، وقد يكون ـ بغضّ النظر عن فرض عروض شبهة ـ غير قادر على إدراك ما أدركه غيره بالبداهة؛ لأنَّ البشر المتمتع بشيء من التكامل في الإدراك وفق الحركة الجوهريّة ليسوا سواءً في ذلك، بل هم مختلفون في الاستعداد والإدراك، فلو أدرك أحد شيئاً ولم يدرك الآخر لم يكن ذلك مساوقاً؛ لفرض أنَّ إدراك المُدرِك ناشئ من تدخل أُمور خارجيّة: كالعادة والشهرة وغير نابع من حاقِّ نفسه.

وفي مقابل هذا البرهان الذي أفاده المحقِّق الإصفهاني(رحمه الله) لنفي إدراك واقعيّة الحسن والقبح وحقَّانيتهما على مستوى الواقع، لا على مستوى مجرّد تطابق العقلاء، يوجد برهان معاكس قد يُبرهَن به على واقعيّة الحسن والقبح وحقَّانيّتهما.

وهذا البرهان يأتلف من مُقدّمتين:

الاُولى: أنَّ المعارف الناشئة من حاقِّ النفس تُصيب الواقع ولا تخطأ، ومن هنا كانت الضروريّات ـ على حدِّ تعبير علم الميزان ـ مضمونة الحقَّانيّة؛ إذ نشأ فهمها من حاقِّ النفس البشريّة، لا بتأ ثُّر من أمر خارجيٍّ: كعرف، أو عادة وقانون، أو بناء المجتمع، أو العقلاء، أو ما إلى ذلك.

أمَّا المعارف الناشئة بمعونة هذه المؤثِّرات الخارجيّة ونحوها، فليست مضمونة الواقعيّة والحقَّانيّة؛ لأنَّ هذه المؤثِّرات الخارجيّة ربَّما لا تصيب الواقع.

والثانية: أنَّ كثيراً من قضايا الحسن والقبح والأحكام الخُلُقيّة ناشئة من حاقِّ النفس؛ والذي يشهد لنشوئها من حاقِّ النفس البشريّة تطابق الناس عليها عادةً وغالباً، برغم اختلافهم في البيئات والظروف والعادات وما إلى ذلك. فلو كانت ناشئة من البيئات والملابسات الخارجيّة لاختلفت باختلاف الناس.

نعم، نحن نحسُّ بوقوع الخلاف في القضايا الخُلُقيَّة في ثلاثة موارد، وكلُّها لا تضرُّ بما شرحناه: من أنَّ إطباق النفوس على درك قضايا خُلُقيّة دليل على