المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

278

التوحيد والمعارف بعد النسيان بسبب التلبّس بغواشي النشأة، وقد يكون التذكّر للمعاني التي حصلت بالتفكّر بعد نسيانها(1).

وعلى أيّة حال، فالتفكّر والتذكّر أمران متفاعلان، وأحدهما يدعو إلى الآخر، فإنّ التفكّر يورث التذكّر لما نسيه بسبب أغشية النفس، كما أنّ التذكّر يورث الانتباه، ومن ثمّ يدعو إلى مزيد من التفكير.

والأمر بالتذكّر وارد في القرآن الكريم بكثرة كاثرة، كقوله تعالى: ﴿... أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ...﴾(2)، ﴿...مَا لَكُم مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيْع أَفَلاَ تَتَذَكَّرُون﴾(3)، ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾(4) إلى غير ذلك من الآيات.

وكأنّ أحد أغصان التذكّر المهمّة المأمور بها في القرآن هو: تذكّر ما عُهِدَ إلينا في عالم الذر، المنطبع في الفطرة سواءٌ فرضنا عالم الذرّ نفس عالم الفطرة، أو عالماً أسبق به تكوّنت الفطرة الطاهرة، فإنّ أغشية النفس أذهلتنا عن ذلك ولا نذكرها، ولكنّنا نستطيع أن نتذكّرها بمعنى: الرجوع إلى الفطرة والتفتيش عمّا فيها والحصول عليها، فقوله تعالى مثلاً: ﴿... أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ...﴾يعني: أنّ المقدار الذي تفضّلنا به عليكم من العمر كاف لوجدانكم لما هو الكامن في فطرتكم من التوحيد والمعارف.

وقد رُتِّبَ التذكّر في القرآن تارة على الإنابة، وأُخرى على اللب، قال الله تعالى: ﴿... وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ﴾(5)، وقوله تعالى: ﴿... إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا


(1) راجع شرح منازل السائرين لكمال الدين عبدالرزاق الكاشاني: 34.

(2) السورة 35، فاطر، الآية: 37.

(3) السورة 32، السجدة، الآية: 4.

(4) السورة 2، البقرة، الآية: 152.

(5) السورة 40، غافر، الآية: 13.