المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

274

فإنّك في خلواتك قد تتعاطى أعمالاً، ويدخل عليك ملِك من الملوك أو كبير من الأكابر فيستغرقك التعظيم حتّى تترك كلّ ما أنت فيه شغلاً به لاحياءً منه، وربّما لا يدخل عليك كبير من هذا النمط، بل يحضرك صبيّ أو إنسان عاديّ، فتعلم أنّه مطّلع عليك، فتستحي منه، فتحسن جلوسك وتراعي أحوالك لا عن إجلال وتعظيم بل عن حياء، فإنّ مشاهدته وإن كانت لا تدهشك ولا تستغرقك، ولكنّها تهيّج الحياء منك.

فعلينا أن نراقب الله سبحانه وتعالى ـ في الأقلّ ـ بقدر مراقبتنا للصغير أو للإنسان الاعتيادي، ونستحي منه ـ في الأقلّ ـ بقدر حيائنا من الصغير أو الإنسان الاعتيادي: «فلو اطّلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته، لا لأنّك أهون الناظرين إليّ وأخفّ المطّلعين عليّ، بل لأنّك يا ربّ خير الساترين، وأحكم الحاكمين، واكرم الأكرمين، ستّار العيوب، غفّار الذنوب، علاّم الغيوب، تستر الذنب بكرمك، وتؤخّر العقوبة بحلمك...»(1).

وقد ورد في الحديث عن مولانا زين العابدين(عليه السلام): أنّه حينما اختلت امرأة العزيز بيوسف «قامت امرأة العزيز إلى الصنم، فألقت عليه ثوباً، فقال لها يوسف: ما هذا؟ فقالت: أستحي من الصنم أن يرانا، فقال لها يوسف: أتستحيين من لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي أنا ممّن خلق الإنسان وعلّمه» ؟ !(2).

«وحُكي عن بعض الأحداث أنّه راود جارية عن نفسها ليلاً، فقالت: ألا تستحي؟! فقال: ممّن أستحي وما يرانا إلاّ الكواكب، فقالت: وأين مكوكبها؟!»(3).


(1) مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.

(2) البحار 12/266.

(3) المحجة 8 / 156.