المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

271

الخسران معاتبة ومعاقبة(1).

ونحن لا نقبل من هذا الكلام فرضيّة الترتّب بين المعاقبة والمعاتبة وكون الثانية متأخرة من الأُولى بدرجتين، بل هما في عرض واحد. وبعد هذا الاستثناء نتكلّم بشكل مختصر عن هذه المراتب بالشكل الذي نراه صحيحاً، وليس يطابق بالضرورة تطابقاً كاملاً لما قاله الغزالي في شرح ذلك. فنقول:

أوّلاً ـ المشارطة:

فعمر الإنسان رأس ماله الحقيقي يضعه الإنسان أمانة بيد نفسه، ونفسه أمارة بالسوء، ولو غفل الإنسان عنها لفرّطت النفس بهذا المال، فعليه أن يشارط نفسه كلّ يوم مرّة في الأقلّ أو كلّ يوم وليلة مرّتين: بأن يأخذ على نفسه في أوّل النهار وفي أوّل الليل أن لا يتصرّف في رأس المال هذا إلاّ في كذا وكذا من الأُمور، فإنّ ساعات عمره خزائن من الأموال والمجوهرات مودعة لديه من قبل الله تعالى، وخسرانها يوجب الحسرات الشديدة.

وقد ورد في الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أنّه يُفتح للعبد يوم القيامة على كلّ يوم من أيّام عمره أربعة وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار، فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزّع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، وهي: الساعة التي أطاع فيها ربّه، ثُمّ يُفتح له خزانة أُخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة، فيناله عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسّم على أهل الجنّة لنغّص عليهم نعيمها، وهي: الساعة التي عصى فيها ربّه، ثُمّ يُفتح له خزانة أُخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسرّه ولا ما يسوؤه، وهي: الساعة التي نام فيها أو اشتغل فيها بشيء من مباحات الدنيا، فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكناً من أن يملأها حسنات ما


(1) راجع المحجة 8/150، والإحياء 4/362.