المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

27

فالوجه فيه: أنَّ مواد البرهان منحصرة في الضروريّات الستِّ: فإنَّها إمَّا أوليَّات، ككون الكلّ أعظم من الجزء، وكون النفي والإثبات لا يجتمعان. أو حسِّيات سواءٌ كانت بالحواس الظاهرة المسمَّاة بالمشاهدات، ككون هذا الجسم أبيض أو هذا الشيء حلواً أو مرّاً، أو بالحواس الباطنة المسمَّاة بالوجدانيِّات، وهي: الأُمور الحاضرة بنفسها للنفس. كحكمنا بأنَّ لنا علماً وشوقاً وشجاعة. أو فطريات، وهي: القضايا التي قياساتها معها، ككون الأربعة زوجاً؛ لأنَّها منقسمة بالمتساويين، وكلُّ منقسم بالمتساويين زوج. أو تجربيَّات بتكرّر المشاهدة، كحكمنا بأنَّ مادَّة الاسبرين تقطع الحمّى مثلاً. أو متواترات، كحكمنا بوجود البلاد النائية التي هي غائبة عنَّا، ولكن ثبت لنا وجودها بأخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكَذِب عادة. أو حدسيَّات موجبة لليقين، كحكمنا بأنَّ نور القمر مستفاد من الشمس؛ للتشكلات البدرية والهلاليّة وأشباه ذلك.

ومن الواضح: أنَّ استحقاق المدح والذم بالإضافة إلى العَدل والظُّلم ليس من الأوَّليَّات بحيث يكفي تصور الطرفين في الحكم بثبوت النسبة، كيف وقد وقع النزاع فيه من العقلاء. وكذا ليس من الحسِّيات بمعنييها كما هو واضح؛ لعدم كون الاستحقاق مشاهداً، ولا بنفسه من الكيفيات النفسانيّة الحاضرة بنفسها للنفس. وكذا ليس من الفطريّات؛ إذ ليس معها قياس يدلُّ على ثبوت النسبة. وأمّا عدم كونه من التجربيَّات والمتواترات والحدسيَّات ففي غاية الوضوح، فثبت أنَّ أمثال هذه القضايا غير داخلة في القضايا البرهانيّة، بل من القضايا المشهورة.

أقول: من الصحيح ما ذكره من أنَّ أصل الحسن والقبح بوصفهما أمرين واقعيين قد وقع الخلاف فيه؛ لأنَّ بعض الفلاسفة والمفكرين أنكروا إدراك ذلك، وجعلوه من سنخ المشهورات، أو العادات أو المسلَّمات المأخوذة من أعلى، إلاّ أنَّ مجرّد وقوع الخلاف ليس دليلاً على نفي بداهة القضيّة وأوَّليتها؛ إذ قد يكون الخلاف