المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

269

والطغيان كما ويجب عليه إيجاد أسباب الصحو بقدر الإمكان بالطرق المباحة حينما لم توجد بذاتها.

والحلّ الثاني: ما يتعيّن الالتجاء إليه بالنسبة لمن عجز عن الاستفادة من الحلّ الأوّل، وهو: أن يعيّن شخصاً آخر لمراقبته ومحاسبته، كي يكون المحاسِب غير المحاسَب حتّى يصبح الحساب ممكناً.

ثُمّ إنّ المحاسبة لا تختصّ بالعُصاة كي يتصوّر أنّ العُدول مستغنون عنها؛ وذلك لأنّ مراتب العرفان لا تنتهي، وعقاب العارفين على ذنوبهم العرفانية ربّما لا يقلّ في إحساساتهم عن عقاب العاصين على معاصيهم، فالعارف الذي يُعاقب بحرمانه لذّة المناجاة مثلاً، أو حرمانه لبعض درجات تلك اللّذة قد يحسّ بألم هذا العقاب أكثر من ألم العاصي باحتراقه بخوف النار، إذن فمهما يبلغ العارف في مراتب سلوكه التي لا تتناهى المقامات الراقية لا يستغني عن محاسبة نفسه في سبيل نيل المقامات التي هي أعلى من ذلك والنجاة من العقاب الذي قد يراه في مستواه أعلى ممّا يراه العاصي من العقاب في مستواه. وأنت لو نظرت إلى لغة العارفين لأحسست بشدّة احتراقهم بالمجازاة العرفانية التي تفوق على تألّم العاصين من استحقاقهم للنار، فمثلاً لو كان الإعراض عن اللغو بشكل مطلق ـ الذي جعل في ظاهر الآية المباركة وصفاً للمؤمنين(1) ـ من الواجبات العرفانية لا الواجبات الفقهيّة، وافترضنا أنّه غير ذي أهميّة قصوى ما دام هو غير واجب فقهيّاً، فبالله عليك ألا تتذوّق شدّة الاحتراق والتأ لّم إلى حدٍّ لا يوصف على فرضية صدور هذا الذنب العرفاني ممّا ورد في دعاء أبي حمزة: «... أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني...»؟! ولو لم يكن فقدان لذّة المناجاة أشدّ على العارفين من حرقة ذكر النار على العاصين فماذا تفهم من الفقرة


(1) راجع السورة 23، المؤمنون، الآيات 1 ـ 3.