المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

26

يصحّ ـ مصداقاً لهذا المِقياس. فمثلاً: مِقياس المصلحة والمفسدة وإن لم نقبله بشكل العموم، وقلنا: إنّ الحسن والقبح غير اللذّة والألم وغير الكمال والنقص، إلاَّ أنَّه لا إشكال في حسن مراعاة مصالح الناس أو مصالح المجتمع في حد ذاتها، ولا في قبح الإضرار والإفساد فيما بين الناس أو في المجتمع في ذاته.

ونقول: إنَّ هذا الحسن والقبح ـ أيضاً ـ ليسا مجرّد أمر اعتباري تطابق عليه المجتمع، أو حكم به العقلاء أو القانون مثلاً، بل هما أمران واقعيَّان أدركهما العقل. وكذلك مِقياس الدين بمعنى وجوب اتِّباع الدين الحقّ يعني حسن اتِّباعه عقلاً وقبح مخالفته على أساس مولويّة المولى ـ سبحانه وتعالى ـ المدركة بالعقل العملي.

والواقع: أنَّ العقل العمليَّ والعقل النظريَّ أمر واحد، وهي: القوّة المُدركة المُودَعة من قبل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في الإنسان، وإن كان قد يُصطَلح عليهما باسمين مختلفين؛ نتيجة اختلاف المدرَكات من حيث كونها علميّة بحتة أو عمليّة، أو كونها ممّا هو كائن أو ممّا ينبغي أن يكون.

وللمحقِّق الإصفهاني(رحمه الله) برهان على عدم ضمان حقَّانيّة مُدرَكات العقل العملي، وأنَّها ليست بأعلى مستوى ممّا يُسمَّى في علم الميزان بالقضايا المشهورة. وحاصل كلامه مع تغيير يسير في تعبيره ما يلي(1): يقول(رحمه الله): وهذا الحكم العقليُّ من الأحكام العقليّة الداخلة في القضايا المشهورة المسطورة في علم الميزان في باب الصناعات الخمس، وأمثال هذه القضايا ممّا تطابقت عليه آراء العقلاء؛ لعموم مصالحها، وحفظ النظام، وبقاء النوع بها.

وأمَّا عدم كون قضيّة حسن العدل وقبح الظلم ـ بمعنى كونه بحيث يستحقّ عليه المدح أو الذم ـ من القضايا البرهانيّة.


(1) راجع نهاية الدراية 2 / 8 .