المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

259

وممّا يناسب ذكره في المقام قِصّة أبي لبابة التي رواها المجلسي في البحار(1)عن تفسير عليّ بن إبراهيم في ذيل آية ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(2) قال: «نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمّا حاصر بني قريظة قالوا له: ابعث إلينا أبا لبابة نستشيره في أمرنا، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا أبا لبابة ائت حلفاءك ومواليك، فأتاهم، فقالوا له: يا أبا لبابة ما ترى؟ أننزل على حكم رسول الله؟ فقال: انزلوا، واعلموا أنّ حكمه فيكم هو الذبح وأشار إلى حلقه، ثُمّ ندم على ذلك، فقال: خنت الله ورسوله، ونزل من حصنهم، ولم يرجع إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ومرّ إلى المسجد، وشدّ في عنقه حبلاً، ثُمّ شدّه إلى الأُسطوانة التي تسمّى أسطوانة التوبة، فقال: لا أحلّه حتّى أموت، أو يتوب الله عليّ، فبلغ رسول الله(صلى الله عليه وآله)ذلك، فقال: أمّا لو أتانا لاستغفرنا الله له(3) فأمّا إذا قصد إلى ربّه فالله أولى به. وكان أبو لبابة يصوم النهار، ويأكل بالليل ما يمسك رمقه، وكانت بنته تأتيه بعشائه، وتحلّه عند قضاء الحاجة، فلمّا كان بعد ذلك ورسول الله(صلى الله عليه وآله) في بيت أُمّ سلمة نزلت توبته، فقال: يا أُمّ سلمة قد تاب الله على أبي لبابة، فقالت: يا رسول الله أفأُؤذنه بذلك؟ فقال: لتفعلنّ، فأخرجت رأسها من الحجرة، فقالت: يا أبا لبابة أبشر قد تاب الله عليك، فقال: الحمدلله، فوثب المسلمون يحلّونه، فقال: لا والله حتّى يحلّني رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيده، فجاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبا لبابة قد تاب الله عليك توبة لو ولدت من أُمّك يومك هذا لكفاك، فقال: يا رسول الله أفأتصدّق بمالي كلِّه، قال: لا، قال: فبثلثيه ؟


(1) البحار 22/93 ـ 94.

(2) السورة 9، التوبة، الآية: 102.

(3) لعلّه إشارة إلى قوله تعالى: ﴿... وَلَو أَنَّهُم إِذ ظلَمُوا أَنفُسهم جاؤوكَ فاستَغفروا الله وَاستغفر لَهُم الرسول لَوَجدوا الله توّاباً رَّحيماً﴾. السورة 4، النساء، الآية: 64.