المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

25

القِصاص، فما معنى حسن العفو وحقَّانيّة القِصاص في وقت واحد ؟!

وبالإمكان افتراض أنَّ المِقياس في الحسن والقبح هو العادة، فالذين تعوَّدوا على ترك أكل لحم الحيوانات يحكمون بقبح ذلك، والذين تعوَّدوا على احتجاب النساء من الرجال يحكمون بحسن ذلك وبقبح سفورهن، والذين تعوَّدوا على سفورهن يحكمون بحسن السفور وبقبح الحجاب للنساء.

إلاَّ أنَّنا لم نرَ حاجة إلى إفراز العادة بالبحث المستقل، فمِقياس العادة إمّا هو شبيه بمِقياس العواطف، ويمكن تنبيه الوجدان على خطأ ذلك بمثل الطريقة التي سلكناها لتنبيه الوجدان على خطأ مِقياسيّة العواطف، فحتى الشخص أو المجتمع الذي تعوَّد على إيذاء الضعيف لو لم يبلغ أمره إلى حدِّ موت الوجدان والضمير يحكم وجدانه وضميره بقبح ذلك، إلاَّ أنَّه يستهين بارتكاب القبيح.

وإمّا هو شبيه بمِقياس العرف والعقلاء، وبإمكانك أن تسمِّيه باسم مِقياس العرف والعقلاء، إلاَّ أنَّه كان المقصود فيما مضى رأيهم، والمقصودُ هنا عادتهم، وقد مضى الجواب عن مِقياسيّة العرف والعقلاء.

 

المِقياس السادس ـ العقل:

وهذا يعني: أنَّ العقل يدرك الحسن والقبح كما يدرك الوجوب والاستحالة وما إلى ذلك. وقد يُسمَّى الثاني بالعقل النظريِّ، والأوّل بالعقل العمليِّ. وقد يُسمّى ما يدرك بالعقل النظريِّ بما ينبغي أن يعلم، وما يدرك بالعقل العمليِّ بما ينبغي أن يُعمل.

وخلاصة المدَّعى لأصحاب هذا المِقياس: أنَّ الحسن والقبح ليسا مجرّد أمر مشهوريٍّ واقعه نفس تطابق العرف أو العقلاء أو المجتمع عليه، بل لهما ثبوت في أُفق الواقع يدركهما العقل، وما يصحُّ من المقاييس الأُخرى يُشكِّل ـ بقدر ما