المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

246

مقام تسويف التوبة بحجة أنّه مادامت التوبة مقبولة قبل حضور الموت، والسنة كثيرة، والشهر كثير، والجمعة كثيرة، واليوم كثير، فلا داعي لي إلى الاستعجال بالتوبة وحرمان النفس من اللذات والشهوات، فقد اصبحت الوصفة هنا مضرّة لا نافعة؛ لأنّ تأجيل التوبة وتسويفها يجعل الإنسان بين خطرين: خطر مباغتة الموت وحيلولته بين الإنسان والتوبة، وخطر اشتداد رين القلب بالتمادي في الذنوب إلى أن ينحرم من التوبة ولا يتوفّق لها.

وقد ورد عن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجّي التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين...». إلى أن قال: «... إن عرضت له شهوة أسلف المعصية، وسوّف التوبة...»(1).

وقد رُوِيَ عن لقمان أنّه قال لابنه: «يا بنيّ لا تؤخّر التوبة فإن الموت يأتي بغتة...»(2).

فالذي يستعمل هذه الوصفة بهذا الأُسلوب غير الصحيح وهو تأجيل التوبة لا يأمن الابتلاء في يوم موته بالوصف المنقول عن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) فيما ورد في نهج البلاغة(3) من قوله: «... اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغيّرت لها ألوانهم، ثُمّ ازداد الموت فيهم ولوجاً، فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنّه لبين أهله ينظر ببصره، ويسمع باُذنه على صحّة من عقله وبقاء من لبّه، يفكّر فِيمَ أفنى عمره، وفيم أذهب دهره ويتذكّر أموالاً جمعها أغمض في مطالبها، وأخذها من مصرّحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته تَبِعَات


(1) نهج البلاغة: 687 ـ 688، رقم الحكمة: 150.

(2) المحجة 7/22.

(3) نهج البلاغة: 206 ـ 207، رقم الخطبة: 109.