المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

245

نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُّنظَرِينَ﴾(1).

وثانياً: أنّ فتح باب التوبة لم يكن يعني: أنّ التائب لا يستحقّ العقاب على معصيته؛ فإنّ العاصي خالف الحقّ، ومخالفُ الحقّ يستحقُّ الجزاء ولو تاب، وذلك من قبيل ما لو أنّ أحداً قَتَل ابنك، ثُمّ تندّم على ما فعل وتاب لم تُسْقِط توبتُه حقَّ قِصاصك عليه، فكذلك من خالف حقّ الربّ تبارك وتعالى فاستحقّ العقاب لا يُسْقِط بتوبته استحقاقه للعقاب، وإنّما يعني فتحُ باب التوبة: أنّ الله تعالى يريد تطهير روحك، وتنظيف قلبك من الدنس الذي تدنّستَ به بسبب المعصية، وجعل العقاب رحمةً بك؛ كي يؤدّي إلى أن تحرق روحك بنار التوبة قبل نار جهنّم، فإذا تبت فقد طهرت من الدنس، ورجعت إلى الفطرة الصافية، وكان هذا هو المقصود لله سبحانه، فيقبل توبتك؛ لأنّ التوبة تعني: التحوّل والانقلاب الحقيقيين في واقع نفسك، وهذا لا يكون حينما تكون التوبة نتيجة رؤية البأس والهلاك؛ إذ عندئذ يندم الإنسان لما يرى أمامه من العذاب الفعلي، وهذا لا يعني حصول التحوّل والانقلاب الحقيقيين في نفسه ورجوع الصفاء والطهارة إليه.

وعلى أيّة حال، فالعلاجات الروحيّة الواردة في القرآن أو عن المعصومين(عليهم السلام)حالها حال وصفات أطبّاء الجسم، أي: إنّه كما تكون وصفة الطبيب نافعة حينما تستعمل في محلّها، أمّا لو استعملت وصفة الطبيب التي وضعها للتيفو مثلاً في ذات الجَنْب، والوصفة التي وضعها لذات الجَنْب في التيفو، لا تنفع بل تضرّ، كذلك الوصفات الروحيّة الواردة في الكتاب والسنّة، فمثلاً هذه المهلة والسَعَة التي عرفتها في باب التوبة قد وضعت لعلاج مرض اليأس؛ لأنّه لولاها ليأس الذين لم يمارسوا التوبة فور حصول المعصية ولأدّى ذلك إلى تماديهم في الغيّ وهلاكهم، فجعل باب التوبة مفتوحاً أمامهم ما لم يحضرهم الموت. أمّا لو استعملها أحد في


(1) السورة 15، الحجر، الآيات: 6 ـ 8 .