المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

231

ذَلِكَ لاَ يَات لِّقَوْم يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَ يَةً لِّقَوْم يَذَّكَّرُونَ﴾ ويجلب الانتباه الإشارة تحت الآيات الثلاث الأخيرة إلى أنّ هذه آيات لقوم يتفكّرون ـ يعقلون ـ يذّكّرون، فهذه نعم من ناحية، وآيات وعلامات على وجود الله وحكمته ووجوب شكره من ناحية اُخرى ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَات وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾، وهذه الآية الأخيرة يتجلّى مغزاها حينما نعلم أنّ المشركين ـ آنئذ ـ لم يكونوا ينسبون الخَلقَ إلى أصنامهم، بل كانوا يعترفون بأنّ الخَلقَ لله تعالى ﴿وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوها إنَّ الله لَغَفُورٌ رحِيمٌ﴾(1).

وحاصل الكلام: أنّ ما في السماوات والأرض من النِّعَم مسخّرات لخدمة البشر. ولنعم ما قيل بالفارسيّة:

ابر و باد و مه و خورشيد و فلك در كارند
تا تو نانى به كف آرى و به غفلت نخورى
همه از بهر تو سرگشته و فرمان بردار
شرط انصاف نباشد كه تو فرمان نبرى(2)

ولابدّ من الالتفات ـ أيضاً ـ إلى عجزنا عن شكر الله تبارك وتعالى؛ لأنّ الشكر يعني: مقابلة نِعْمة المنعم بشيء، يقدّمه المنعم عليه إلى المنعم ممّا يملكه هو مجازاةً لنعمه، ولو بأن يكتفي ببسمة شفة أو شُكر لسان إن لم يكن قادراً على مجازاته


(1) السورة 16، النحل، الآيات: 3 ـ 18.

(2)

السحب والريح والبدر المنير معاً
والشمس والفلك الدوّار في شغل
لكي تنال الغذا في فطنة وحجى
فلا تكن غافلاً ترعى مع الهمل
كلّ لأجلك مشغول بواجبه
فما من العدل أن تبقى بلا شغل