المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

229

ورجوعه ولو بمقدار ناقص إلى تلك الفطرة، وهذا ما قد نسمّيه باليقظة.

واليقظة هي أحد التفسيرين للقيام في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَة أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيد﴾(1) فالقيام هنا تارةً يفسّر بالمعنى العام للقيام في سبيل العمل لله تعالى، ولعلّ الأنسب ـ عندئذ ـ أن يكون قوله: ﴿مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة﴾ بياناً لمتعلق التفكير، أي: تفكّروا حتّى تعرفوا ما بصاحبكم من جنّة وتتّضح لكم طريقة العمل في سبيل الله.

وأُخرى يفسّر بمعنى القومة من السُباة، وهي اليقظة من سِنة الغفلة كما فسّره بذلك العارف المعروف بعبد الله الانصاري(2) ولعلّ الأنسب ـ عندئذ ـ أن يكون قوله: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ هو موطن الوقف في الآية، ويكون قوله: ﴿مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة﴾كلاماً مستقلاً، والمعنى ـ عندئذ ـ أن اليقظة تكون بالقيام من سِنة الغفلة ثُمّ التفكّر.

وعلى أيّة حال، فاليقظة تكون بعدّة أسباب، منها ما يلي:

أوّلاً: ملاحظة نِعَم الله ـ سبحانه وتعالى ـ التي لا تُحصى، فأوّل النِّعم ببعض المعاني هو الوجود؛ إذ هي الأرضية التي تبتني عليها باقي النِّعم، وببعض المعاني هو الهداية إلى الإيمان؛ لأنّ الإيمان أشرف من كلّ شيء، وببعض المعاني هو العقل، إذ لولاه لما كان مجال للإيمان ولا للالتذاذ الكامل بالنِّعم الاُخرى. وسائر النعم التي تأتي بعد هذه الاُمور لا تُحصى، قال الله تعالى:

1 ـ ﴿... وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ...﴾(3).


(1) السورة 34، سبأ، الآية: 46.

(2) راجع منازل السائرين الباب الأوّل من البدايات، وهو باب اليقظة.

(3) السورة 31، لقمان، الآية: 20.