المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

224

الأبرار.

وممّا يناسب ذكره في المقام أنّ بعضهم يقول(1): إنّ التجرّد للخير دأب الملائكة المقرّبين، والتجرد للشر دون التلافي سجيّة الشياطين، والرجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشر ضرورة الآدميّين. فالمتجرّد للخير ملك مقرّب عند الملك الديّان، والمتجرد للشرّ شيطان، والمتلافي للشر بالرجوع إلى الخير بالحقيقة إنسان، كما صدر ذلك من أبينا آدم(عليه السلام)، فقد ازدوجت في طينة الإنسان شائبتان، واصطحبت فيه سجيتان، وكلّ عبد مصحّح نسبه إمّا إلى الملك، أو إلى آدم، أو إلى الشيطان. فالتائب قد أقام البرهان على صحّة نسبه إلى آدم بملازمة حدّ الإنسان، والمصرّ على الطغيان مسجّل على نفسه بنسب الشيطان. ولقد قلع آدم(عليه السلام) سنّ الندم، وتندّم على ما سبق منه وتقدّم، فمن اتَّخذه قدوة في الذنب دون التوبة فقد زلّت به القدم. فأمّا تصحيح النسب بالتجرد لمحض الخير إلى الملائكة فخارج عن حيّز الإمكان، فإنّ الشر معجون مع الخير في طينة آدم عجناً محكماً لا يخلصه إلاّ إحدى النارين: نار الندم، أو نار جهنّم، فإحراق النار ضروري في تخليص جوهر الإنسان عن خبائث الشيطان. وإليك الآن اختيار أهون الشرّين، والمبادرة إلى أخفّ النارين قبل أن يطوى بساط الاختيار، ويساق إلى دار الاضطرار إمّا إلى الجنّة أو إلى النار.

أقول: كلّ ما ذكره هذا القائل صحيح عدا افتراض أنّ التمحّض للخير خارج بالنسبة للإنسان عن حيّز الإمكان، فإنّ هذه الفكرة ناتجة من مذهبه ـ بما هو من أهل التسنن ـ من إنكار العصمة، أمّا نحن فنؤمن بمبدأ العصمة للمعصومين، وهم متمحّضون في الخير، وبإمكان غير المعصومين بالذات أن يتمحّضوا في الخير


(1) المحجة البيضاء 7/3 ـ 4 نقلاً عن الإحياء للغزالي، ونحن نقلناه هنا مع تغيير يسير في ترتيب العبارة.