المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

22

وجانب العدم أكثر غلبةً عليه كان أكثر مباينة لتلك القوّة، فتنكمش منه، وهذا معنى إدراك العقل للحسن والقبح. وهذا يُوجِب لا محالة صحَّة مدح الفاعل وذمّه على الفعل الحسن أو القبيح.

أقول: إنَّ هذا المدح والذمِّ الوليدين لمجرد ملائمة القوّة العاقلة أو منافرتها إنَّما هو من سنخ مدح ذي الصورة الحسنة أو ذي الصورة القبيحة الملائمة للقوة الباصرة أو المنافرة لها، ومن سنخ مدح ذي الطعم الشهيّ أو ذمِّ ذي الطعم الكريه، أو الرائحة الشهيّة والكريهة الملائمين أو المنافرين للذائقة والشامَّة. وهذا غير المدح والذمِّ الخُلُقيين.

ولاُستاذنا الشهيد الصدر(رحمه الله) حديث مفصَّل في مناقشة كلام المحقِّق الخراساني (قدس سره) أقتصر هنا على نقل قطعة منه مع تلخيصها، وهي: أنَّ المقصود بملائمة العقل ومنافرته لما يدركه من الفعل بسبب السنخيّة وعدم السنخيّة إِن كان هو التسانخ وعدمه مع المُدرَك بالعرض ـ وهو واقع الفعل ـ فقد حُقِّق في محله أنَّ المُدرَك الحقيقيّ ليس هو ذاك، وأنّ الإدراك وكذلك الحبّ والبغض ونحو ذلك كلِّها تُصَبُّ على الصور لا على ذوات الصور الخارجيّة.

وإِن كان هو التسانخ وعدمه مع المُدرَك بالذات ـ وهي الصورة ـ فالمُدرَك بالذات دائماً على حدٍّ سواء من حيث التجرد وسعة الوجود، بلا فرق بين أن يكون المُدرَك بالعرض وسيعاً أو ضيقاً، فإنَّ من أَوليّات علم النفس في الفلسفة أنَّ إدراكات قوّة واحدة تناسب تلك القوّة في التجرّد وسعة الوجود على نهج واحد، فليس ـ مثلاً ـ إدراك الأمر المادِّي مادِّياً والمجرّد مجرّداً، بل إدراك ماهو من أرقى الوجودات يساوي من حيث التجرُّد والمسانخة للعقل إدراك ماهو من أخسِّ الوجودات، كالبياض ـ مثلاً ـ الذي هو وجود عرضيٌّ حالٌّ في وجود مادِّيٍّ وما للمُدرَك بالعرض من السعة والضيق أو الخيريّة والشرِّيّة لا يسري إلى المُدرَك