المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

21

وبالملائمة والمنافرة للقوّة العاقلة(1).

وحاصله: الاستفادة ممَّا ذهب إليه الفلاسفة: من أنَّ الوجود خير محض، وأنَّ العدم شرٌّ محض، فكلُّ شيء كان أوسع وجوداً كان أوسع خيريّة، وكلُّ ما كان أضأل وجوداً وجانب العدم أغلب عليه كان أكثر شرِّيّة، واتِّصافُ بعض الوجودات بالشرِّ يكون باعتبار ما يلازمها أو يترتَّب عليها من الأعدام، كما أنَّ اتِّصاف بعض الأعدام بالخير يكون باعتبار ما يلازمها أو يترتَّب عليها من الوجودات، فالإنسان مثلاً أكثر خيراً وآثاراً من الحيوان؛ لكونه أوسع وأرقى وجوداً منه. وكذلك الحيوان أكثر بركة وآثاراً من النبات، والنبات من الجماد، وكذلك الكلام في تطبيق القاعدة على الأفعال، فكلُّ فعل يكون جانب الوجود فيه أوسع فهو أكثر خيريّةً، وكلُّ ما كان من الأفعال ضئيلاً وحقيراً، وكان جانب العدم هو الغالب عليه، كان أشدُّ شرِّيّة.

وكما أنَّ كلَّ قوّة من القوى في الإنسان كقوّة البصر والذوق والشمِّ وغير ذلك تنبسط وتنشرح بإدراك ما يلائمها، وتتضجَّر وتنكمش بإدراك ما ينافرها، فالباصرة ـ مثلاً ـ تنبسط لرؤية الحديقة والأزهار، وتتضجَّر لرؤية ما تستقبحه من صور الأشياء الكريهة، وكذلك الشامّة بالنسبة للروائح وغيرها من القوى، كذلك الحال في رئيس تلك القوى، وهي: القوة العاقلة، فتنبسِط لإدراك ما يلائمها، وتنكمش من إدراك ما ينافرها. ومِقياس الملائمة والمنافرة لها هي: درجة التسانخ وعدمه. وبما أنَّ القوّة العاقلة موجود بسيط ومجرَّد ومن أوسع الوجودات وأرقاها، فكلُّ فعل كان أوسع وجوداً كان أشبه وأنسب بالقوّة العاقلة وأكثر سنخيّة لها، فتنبسط القوّة العاقلة بإدراكه لها تصوِّراً وتصديقاً، وكلُّ فعل كان أضيق وجوداً


(1) راجع الفوائد للمحقِّق الخراسانيّ: 330 ـ 332، ط ـ منشورات مكتبة بصيرتي في ذيل طبعة حاشيته على فرائد الأُصول.