المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

202

في نفسه، وبإمكانك أن تحسب هذا الجانب ـ أيضاً ـ جزءاً من العرفان الإسلامي الصحيح، فيكون تذوّق حبّ الله، والالتذاذ بالوصول إلى الله، وبتحصيل رضا الله جزءاً من كلّ، وهو: تفتيح منابع الخير المعنوية الكاملة في النفس البشريّة وتنميتها، كما أنّ كلاً من هذين الأمرين يساعد الإنسان على الأمر الآخر، فالإيثار مثلاً وكذلك باقي صفات الخير يقرّب الإنسان إلى الله، كما أنّ الاقتراب إلى الله يحبّب إلى الإنسان جميع الخيرات.

وقد يكون الدافعُ للإنسان السالك في المراحل الأُولى إلى الخير أو إلى تحصيل رضوان الله التذاذَه بذلك، وكلّما مشى في الطريق أكثر إزداد التذاذه الذي يكون دافعاً له نحو الوصول إلى القمّة، ولكن المفروض بالإنسان السالك أن يصل إلى مستوىً يكون دافعه إلى الخير وإلى رضوان الله نفس الخير والرضوان لا الالتذاذ بهما، وإن كان الالتذاذ يشتدّ ـ عندئذ ـ بذلك.

وعلى أيّة حال، فقد اتَّضح بكلِّ ما سردناه: أنّ العرفان الذي تُفْتَرَض نتيجتُه الفناء والذوبان بالمعنى الحقيقي للكلمة في الله عرفانٌ كاذبٌ، بل قد ينتهي إلى الكفر والإلحاد، والمعصومون(عليهم السلام) منه براء. والعرفان الذي ينتهي إلى الفناء والذوبان في الله كفناء العاشق في المعشوق وذوبانه فيه المألوفِ في العشق المجازي بين الناس أنفسهم ـ بفرق أنّ قياس هذا العشق والفناء إلى ذاك العشق والذوبان قياسُ قطرة إلى بحر غير متناه ـ هو العرفان الصحيح الموروث عن المعصومين(عليهم السلام)«واجعلْ لساني بذكركَ لِهِجَاً، وقلبي بحبّك متيماً»(1) ويصل العارف إلى مستوىً لا تبقى له إرادة في مقابل إرادة الله تعالى « ... رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفّينا أجورَ الصابرين ...»(2).


(1) دعاء كميل.

(2) من خطبة للحسين(عليه السلام) لدى عزمه على الخروج إلى العراق، راجع البحار 44/367.