المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

201

الآخِرَةَ﴾(1).

فلابدّ لهذا النقص من علاج، وقد ينجح ولو إلى حدّ مّا علاج ذلك بأصل التذكير بالتزاحم بين المصلحتين، وضرورة تضحية المهمّ في سبيل الأهم من ناحية، وتوضيح مدى أهميّة مصلحة الآخرة من ناحية أُخرى، من قبيل بيان أنّ الثواب جنّة عرضها السموات والأرض، والعقاب عقاب لا تقوم له السموات والأرض.

ولكنّنا نرى عملاً: أنّ هذا ـ أيضاً ـ غير كاف في كثير من النفوس.

وهنا مكمّل آخر لو أضيف إلى ذلك ينجح كثيراً، إلاّ في من غلب عليه الشقاء أو الخبث، وهو: أن تكشف له حقيقة الإسلام بشكله النابض بالحياة وبروحه الشفّافة الخلاّبة التي أشرنا إليها ضمن جانبين، فمن عرف روح الإسلام وتذوّقه ينال من ذلك لذّة لا تدانيها لذّة، وينسى كلَّ اللذائذ الدنيويّة الدنية والشهوات النفسية المهلكة. ولنعم ما قال الشاعر بالفارسيّة:

اگر لذّت ترك لذّت بدانى
دگر لذّت نفس لذّت نخوانى

ويضاف ـ أيضاً ـ إلى جانب لذّة العرفان ـ التي نعني بها التلذّذ برضوان الله، وتذوق حبّ الله إلى حدّ الشغف والتيم، وتحصيل اللقاء المعنوي بالله تعالى وكذلك لذّة المعرفة بتسيير الإسلام الحياة السعيدة بنظام كامل شامل ـ مكمّل آخر للابتعاد عن المعاصي، وهو: أن يسعى الإنسان في سبيل تفتيح منابع الخير المودعة من قبل الله في نفسه عادة، من قبيل حبّ الإيثار وحبّ الوفاء والصدق وما إلى ذلك، فإنّ هذه الغرائز ـ أيضاً ـ موجودة في الإنسان العادي إلى جنب الغرائز الشهوانيّة والحيوانيّة، ولعلّ هذا أحد معاني قوله تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾(2) فكما يمكن للإنسان أن ينمّي غرائزه الحيوانيّة والشهوانيّة كذلك يمكنه أن ينمّي الغرائز الخيّرة


(1) السورة 75، القيامة، الآيتان: 20 ـ 21.

(2) السورة 90، البلد، الآية: 10.