المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

200

﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً﴾(1) ﴿اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾(2). فقتر النعمة وضيقها على المعوزين يعود في الحقيقة إلى ظلم الإنسان لا إلى فقر أودعه الله في الطبيعة.

وعلاوة على ذلك زوّد الله تبارك وتعالى الإنسان بالقوّة المميّزة للخير والشّر، وهي: العقل، والعقل يقتضي بطبيعة الحال في الإنسان أن يضحّي دائماً بمصلحته المهمّة في سبيل مصلحته الأهمّ، فالإنسان المعتقد بالله وبالجزاء ـ بعد فرض غضّ النظر عن الروحيات العرفانيّة، والمُثل العُليا، والعقل العملي والمصالح العامّة، وفرض حصر تفكيره ودوافعه في مصالحه الشخصيّة ـ يكفيه أن يوازن بين لذّة مؤقّتة ضعيفة محرّمة، ومصالحه الأُخرويّة أعني: النجاة من النار والفوز بالجنّة، فيستعدّ للتضحية بتلك اللّذة الضعيفة المؤقتة في سبيل مصلحته العُليا الدائمة.

ولكن الذي نراه عملاً هو: أنّ كثيراً من الناس المعتقدين بالمبدأ والمعاد لم يكفهم هذا الرادع للارتداع عن المعصية، وكأنّ السبب في ذلك: أنّ الدنيا نقد حاضر، والآخرة أمر مستقبلي مؤجَّل، وتوجد في الإنسان حالة الميل إلى الحاضر في مقابل الأمر المؤجّل الاستقبالي. وهذا نقص في طبيعة غالبيّة البشر.

ولعلّه يشير إلى هذه الحالة قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ هَؤُلاَء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾(3) وقوله تعالى: ﴿كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ


(1) السورة 72، الجن، الآية: 16.

(2) السورة 14، إبراهيم، الآيات: 32 ـ 34.

(3) السورة 76، الإنسان، الآية: 27.