المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

197

فأنصت عليّ(عليه السلام)أيضاً، ثُمّ قرأ، فأعاد ابن الكوّا، فأنصت عليّ(عليه السلام) ثُمّ قال: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ﴾(1). ثُمّ أتمّ السورة، ثُمّ ركع»(2).

ولنعد الآن إلى ما كنّا فيه من الحديث عن أنّ الاكتفاء بقشر ظاهري عن الإسلام من عبادة جافّة وطقوس باهتة غير صحيح، فإنّه وإن كان ذاك القشر ـ أيضاً ـ يتلألأ نوراً، ولكن لو نفذنا إلى روح الإسلام وباطنه الوضّاء لرأينا نوراً أوسع وأكثر تلألأً وضياءً وإشراقاً، وهذا الباطن على رغم وضوحه وبروزه من شبكة القشر ونسيجه قد يخفى على أُناس عميت بصائرهم لا أبصارهم: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾(3).

وهذه الروح الوضّاءة لها جانبان:

أحدهما: ما أشرنا إليه حتّى الآن من جانب العرفان، أو قل: التوهج بحبّ الله والسعي إلى رضوان الله الذي هو أكبر من جنّات عدن، والاحتراق بنار الوجد والعشق لله سبحانه وتعالى.

وثانيهما: أنّ الإسلام دين مسيّر للحياة، ونظام كامل شامل لإدارتها بأحسن وجه، كافلاً لسعادة البشر في الدنيا، كما هو كافل لسعادته في الآخرة.

فربّ إنسان يتعبّد بظاهر العبادات الواردة في الشرع، ولكنّه يغفل عن حقيقة إدارة الإسلام للحياة، وأنّ تطبيقه يجعل المسلمين سادة العالَم، ويمكّنهم من فتح كنوز الطبيعة ونعمها وخيراتها وبركاتها ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاَْرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ


(1) السورة 30، الروم، الآية 60.

(2) الوسائل 8/367، الباب 24 من صلاة الجماعة، الحديث 2.

(3) السورة 22، الحج، الآية: 46.