المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

190

وبعد هذا تبدو في بادئ الأمر قسوة عظيمة على النبيّ(صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: ﴿إِذاً لاََّذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾ فلماذا هكذا قسوة على ترك ماهو أولى، أو على فعل ماهو من حسنات الأبرار، ولكنّه من سيّئات المقربين؟!

وأيضاً ورد في التأريخ(1) عن نبي الله يعقوب على نبيّنا وآله وعليه آلاف التحيّة والثناء: أنّ سبب مانزل به من البلاء أنّه(عليه السلام) كان يذبح كلَّ يوم كبشاً، فيتصدّق منه، ويأكل هو وعياله منه، وإن سائلاً مؤمناً صوّاماً مستحقّاً له عند الله منزلة، وكان مجتازاً غريباً اعترّ(2) على باب يعقوب عشية جمعة عند أوانَ إفطاره، فطلب منهم الطعام مراراً، فلم يعتنوا به، وليسوا متعمدين، بل جهلاً منهم بحقّه، ولعدم تصديقهم إيّاه، فلمّا يأس منهم، وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه إلى الله عزّوجلّ، وبات طاوياً، وأصبح صائماً جائعاً صابراً حامداً لله تعالى، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً، وأصبحوا وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله عزّوجلّ إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد أذللت يا يعقوب عبدي ذُلّة استجررت بها غضبي، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي وبلواي عليك وعلى ولدك...

فما هذه القسوة على نبيّ الله يعقوب على خطأ لم يكن ارتكاباً لمحرم، في حين أنّه يصدر من سائر الناس الاعتياديين ما لا يُحصَى من الأخطاء، بل والمحرمات، ولكنّ الله يعفو عن كثير؟!

وجواب كلّ هذا هو: أنّ تعامل المولى مع من يحبّ يكون أشدّ من تعامله مع الإنسان الاعتيادي، فأنت قد تعفو عمّن ظلمك، وجحد حقّك وآذاك، في حين أنّك تؤدّب ابنك مثلاً على ما أتى به لك من وردة من بستان كان يملكه؛ لأنّك كنت


(1) راجع البحار 12/271 ـ 272.

(2) اعترّه: أتاه للمعروف، وقيل: إنّ في نسخة علل الشرائع عَبَر على باب يعقوب.