المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

189

فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(1) فلئن كان الله ـ تعالى ـ يغفر لأصحاب الكبائر كبائرهم ولأصحاب الجرائم جرائمهم ما معنى فرض السجن في بطن الحوت على نبيّ من أنبيائه لما صدر منه من ترك أولى، أو من حسنة كانت بلحاظ مقامه الكريم من سيّئات المقربين؟! وما معنى قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لاََّذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾(2) فهل يُحتَمل بشأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه كاد أن يركن إلى المشركين شيئاً قليلاً فيما كانوا يريدونه من الافتراء على الله؟! كلاّ.

ولا أقصد بنفي هذا الاحتمال نفيه على أساس العصمة؛ كي يدّعى في مقابل ذلك أنّ فرض الآية فرض غضّ النظر عن العصمة بناءً على تفسير التثبيت في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ ...﴾ بالعصمة أي: لولا العصمة الربّانية لك لكنت تركن إليهم شيئاً قليلاً، بل أقصد بذلك: أنّه حتّى مع غضّ النظر عن الإيمان بعصمة الأنبياء لا يُحتمَل ركون النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى المشركين فيما يريدونه من الافتراء على الله؛ لأنّ هذا من أكبر الكبائر،ولو فُرِضَ عدم العصمة للنبيّ(صلى الله عليه وآله) لكان يعني ذلك: ارتكابه لصغيرة ما مثلاً، لا ارتكابه لما هو من أكبر الكبائر، وهو الافتراء على الله.

وإذن، فليس ركونه(صلى الله عليه وآله) إليهم الذي كاد أن يتورّط فيه لولا تثبيت الله إيّاه إلاّ مجرّد إبداء نوع من المداهنة أو التعاطف معهم بنيّة استمالتهم بالتدريج عن هذا الطريق إلى الإسلام. وهذا لو صدر منّا نحن الاعتياديين لعلّه كان يعدّ من الحسنات والفضائل، ولكن المقام الشامخ للنبي(صلى الله عليه وآله) لا يناسب التورط في شيء من هذا القبيل، بل المفروض به أن يتّخذ ماهو أصلح من ذلك.


(1) السورة 37، الصافات، الآية: 143 ـ 144.

(2) السورة 17، الإسراء، الآيات: 73 ـ 75.