المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

185

أمير المؤمنين(عليه السلام): «آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى»(1).

فما معنى قوله تعالى: ﴿كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الاَْفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَد مُّمَدَّدَة﴾(2)؟! فأيّ نار هذه التي تطّلع على الأفئدة؟ وأي فؤاد هذا؟ هل هو القلب المادّي الصنوبري؟ فلئن كان ذاك فأيّ فرق مهمّ بين أن تبدأ النار بحرق الجلد وتنتهي إلى الفؤاد أو العكس؟! أو ليس هذا يعني: أنّ الفؤاد هنا بمعنى القلب المعنوي المقصود بقوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الاَْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾(3). وبقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ...﴾(4). أو ليس هذا يعني: أنّ هذه النار نار أُخرى تطّلع على القلب المعنوي؟! أولا تفكّر في معنى ﴿مؤْصَدَة﴾ أي: مطبقة ومغلقة، فالنار التي تطّلع على الفؤاد أليس معنى إطباقها وإغلاقها كونها مطبقة ومسدودة في داخل الإنسان، فهل يناسب هذا النار المادّية؟! ثُمّ ما معنى كون هذه النار في ﴿عَمَد مُّمَدَّدَة﴾ أوليست العمد الممدّة لذلك القلب المعنوي، وإلاّ فأعمدة البدن تنشوي بالنار المادّية، وتتجاوز النار منها؟! ثُمّ ما معنى ﴿الْحُطَمَة﴾ هل المقصود بها التحطيم المادّي للجسم المادّي؟ ونحن نعلم أنّ الجسم المادّي يبقى قائماً؛ كي يشتدّ عليه ألم النار، بدليل أنّه بمجرد أن تنضج الجلود يقول الله تعالى: ﴿... بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا ...﴾(5) أفلا يعني ذلك: أنّ


(1) البحار 41/12.

(2) السورة 104، الهمزة، الآية: 4 ـ 9.

(3) السورة 22، الحج، الآية: 46.

(4) السورة 7، الأعراف، الآية: 179.

(5) السورة 4، النساء، الآية: 56.