المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

184

والأدعية، وقد مرّت الإشارة إلى قطرات من هذا البحر في آخر حديثنا عن النقطة الرابعة.

فقل لي بالله: لو كانت الصلاة وروحها عبارة عن هذه الصلاة المألوفة لدينا، والتي تشتمل ـ إنْ شاء الله ـ على الإجزاء الفقهي، ولا تستغرق من الوقت أكثر من خمس دقائق، فما معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾(1)؟! فأيّ ثقل ـ يا تُرى ـ يكون في صلاة كصلواتنا كي تكون كبيرة على غير الخاشعين منّا؟! وأيّ تحمّل واصطبار نحتاجه في صلاة كهذه الصلوات حتّى يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ...﴾(2)؟!

ولو كانت غاية الآمال عبارة عن جنّة عرضها السماوات والأرض فما معنى قوله تعالى: ﴿... وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ...﴾(3)؟! وما معنى قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾(4).

ولو كان أشدّ العذاب عذاب نار جهنّم فما معنى قول إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام)في دعاء كميل: «... صَبَرتُ على عذابك، فَكيفَ أصبر على فِراقِك»؟! ألا تحدس معي أنّ الفراق في كلام عليّ ـ تلميذ القرآن ـ قصد به نفس ما قصد بالحجب في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذ لَّمَحْجُوبُونَ﴾(5)؟!

ولو كانت النار في الآخرة منحصرة في النار المادّيّة التي تتبادر إلى أذهاننا من قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى﴾(6) وهي المفهومة ـ أيضاً ـ من قول


(1) سورة 2 البقرة: الآية: 45.

(2) السورة 20، طه، الآية: 132.

(3) السورة 9، التوبة، الآية: 72.

(4) السورة 75، القيامة، الآية: 22 و 23.

(5) السورة 83، المطفّفين، الآية: 15.

(6) السورة 70، المعارج، الآية: 15 ـ 16.