المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

18

بالبرلمان، فلم يعد من سلطانه فرض الضرائب. فلمّا ذهب المحصّلون إلى همبدن قالوا له: «يجب أن تدفع الضريبة بحكم القانون» فأجاب: «أنَّ القانون لم يُوجِبْ عليَّ شيئاً، وإنَّ طلبكم غير قانوني» (ويجب أن يلاحظ هنا: أنَّه لم يُجِبْ بأنَّ القانون سيِّئ، وإنَّما أجاب بأنّه لم يكن قانوناً مستوفياً لشروط التشريع) ثُمَّ قُدِّم للمحاكمة، وعيِّن لمقاضاته اثنا عشر قاضياً، انحاز ثمانية منهم إلى رأي الملِك، فكانت الأغلبيّة على همبدن، فحُكِم عليه، فاحترم الحكم، وخضع له، ودفع الضريبة؛ لأنَّه بحكم المحكمة صار الدفع قانونيّاً، ولكنّه رأى أنَّه قانون ظالم، فجدَّ في تغييره. ولما رأى همبدن أنّ ملِك انجلترا وأعوانه يخرجون على القانون، ويضعون القوانين الظالمة، اجتهد في تأليف جماعة كبيرة على رأيه، وجاهد في سبيل ما يعتقده الحقَّ، وفي تغيير ما يراه ظالماً حتّى قتل سنة 1643 م».

أقول: وأمّا مناقشة فكرة جان جاك روسو فهي مشروحة مفصَّلاً في كتاباتنا الأُخرى من قبيل كتابنا المُسمَّى بـ (أَساس الحكومة الإسلاميّة) ولا نعيدها هنا.

وقد تحصَّل أنّ هذا المِقياس معطوف على المِقياس السابق في عدم صحته.

 

المِقياس الثالث ـ الدين أو الوحي:

وطبعاً مِقياسيّة الدين تتوقَّف على كونه ديناً حقّاً. وقد ثبت في محلِّه أنّه ليس لأحد حقُّ العبادة والتديّن بدينه على آخر إلاّ الله سبحانه وتعالى، ولا دين يجب اتِّباعه عدا الدين النازل حقاً من السماء.

والدين الحقُّ يكون مِقياساً للحسن والقبح بأحد معنيين:

إمَّا بمعنى كشفه عن الحسن والقبح؛ لأنَّ الله يأمر بالحسن وينهى عن القبيح، كما قد يكشف الدين ـ أيضاً ـ عن المصالح والمفاسد.

وإمَّا بمعنى أنَّ أمر الله ونهيه موضوع لحسن الطاعة وقبح المعصية على أساس