المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

177

ثُمّ يا ليتنا كنّا نفهم ماهو مدى التذاذكَ بمناجاة الربِّ وعبادته حيث قلت في سجن فضل بن الربيع: «اللَّهمَّ إنّك تعلم انّني كنتُ أسألك أن تفرغني لعبادتكَ، اللَّهمَّ وقد فعلتَ، فلكَ الحمد»(1).

فنحن نعلم أنّك أنت وآباءكَ الطيبين وأبناءك الطاهرين كنتم تتعشّقون العمل الاجتماعي في سبيل الإسلام وإن أدّى ذلك إلى التضحية بالنفس حتّى أصبح القتل لكم عادةً وكرامتكم من الله الشهادة، فما هي لذّة المناجاة عندكَ التي ضاهت لذّة العمل الاجتماعي في سبيل المبدأ والعقيدة، فطلبت من الله أن يفرّغكَ لها؟!

ثُمّ يا ليتنا نعرف ماذا كنت تعاني في السجن حينما تبدّلت موجة دُعائك هذه المرّة من طلب الفراغ للعبادة إلى طلب الخلاص من السجن، فكنت تقول: «يا مُخلِّص الشجر من بين رمل وطين وماء، ويا مُخلِّص اللبن من بين فرث ودم، ويا مُخلِّص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مُخلِّص النار من بين الحديد والحجر، ويا مُخلِّص الروح من بين الأحشاء والأمعاء، خلّصني من يدي هارون»(2).

وأيضاً ممّا ورد في توصيف مناجاته وتضرّعه وبكائه ما جاء في زيارة له(عليه السلام)حليفِ السجدة الطويلة، والدموع الغزيرة، والمناجاة الكثيرة، والضراعات المتصلة ...(3).

ولا غرو أنّ تُؤثّر حالة عرفانه سلام الله عليه في تلك الجارية التي أرسلها هارون الرشيد إلى السجن بعنوان أن تخدم الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) فيتقلب حالها إلى حالة الانمحاء في عبادة الله. وفي أغلب الظنّ أنّ هارون كان قد بعثها إلى الإمام(عليه السلام) بتخيّل أن يفتنه بها، فانقلب السحر على الساحر.


(1) البحار: 48/107 ـ 108.

(2) البحار 48/219.

(3) منتهى الآمال 2/223.