المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

176

قراءته حزناً، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنساناً(1) وما ذنبه بأبي هو وأُمي حينما كان يقول: «عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك» وكان يقول: «اللّهمَّ إنّي أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب» ويكرّر ذلك، وكان يبكي من خشية الله حتّى تخضّل لحيته بالدموع(2) وفي نقل آخر كان يقول في سجوده: «قَبُحَ الذنب من عبدك، فليحسن العفو والتجاوز من عندك»(3).

آباؤنا وأُمهاتنا وأنفسنا فداءٌ لذنوبك يا أبا الحسن يا موسى بن جعفر(عليه السلام)، وليتنا كنّا نعقل ماهي ذنوبك كي نزيّن أنفسنا بها، ويكون ذلك لنا فخراً واعتزازاً، وبأمل أن نصبح بذلك من الأبرار؛ لأنّ حسنات الأبرار سيّئات المقربين(4).


(1) البحار 48/111.

(2) البحار 48/101.

(3) البحار 48/108.

(4) البحار 25 / 205. أمّا تفسير هذه العبارة: فنحن مشينا في هذا الكتاب على تفسير (حسنات الأبرار سيّئات المقربين) بمعنى: الصالح والأصلح، أو الحسن والأحسن، ولكن مقصود أهل العرفان هو: أنّ شيئاً ما حسن من اُناس واصلين إلى مستوى من العرفان، ولكنّه سيء من أناس واصلين إلى مستوى أعلى، فمثلاً يُدَّعى أنّ الفناء في بعض أسماء الله يكون حسناً لأُناس يرقّيهم هذا الفناء من مرتبتهم الفعليّة النازلة إلى أن يصلوا إلى مستوى يجب أن يرتقوا اِلى الفناء في ذات الله، ويصبح الاسم عندئذ ـ حجاباً ـ وكذلك التأسّف على الذنوب، والبكاء عليها، وجعلها نصب العين، وتأنيب النفس عليها، حسن في مقام تطهير النفس، وتخليصها من مفاسد تلك الذنوب، ثمّ بعد ذلك يصل العارف إلى مستوىً يصبح جعل الذنوب نصب العين والاستمرار على تأنيب النفس معكّراً لجو الحبِّ والأُلفة مع الله الذي يكون المفروض بالعارف الفناء فيه، فيصبح حجابا مانعاً عن الرقّي، فلا بدَّ من تركه.

ونحن بما أنّنا نرى أنّ هذه في أغلب الموارد تلفيقات من قبلَ الصوفيّة ومن تبعهم في ذلك غفلةً، ولم تُؤثَر عن أئمّتنا(عليهم السلام) الذين هم أعرف بطرق تهذيب النفس وترقيتها في سلم العرفان، ولا دلّ عليها في أغلب مواردها العقلُ، عدلنا عن استعمال هذه الجملة بذاك المعنى إلى المعنى الذي عرفت.