المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

174

وبعد أن كان الأمر كذلك بلاشك، قلْ لي بالله: ما معنى توبة المعصومين واستغفارهم؟! وما معنى قوله سبحانه وتعالى مخاطباً لأشرف المخلوقين(صلى الله عليه وآله): ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ...﴾(1)، وكذلك قوله عزّوجلّ: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ...﴾؟!(2).

ثمّ قلْ لي: ما معنى ما قد يتراءى في بادئ الأمر من القسوة على نبيّ من الأنبياء في قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(3). فالله الذي هو أرحم الراحمين، ويغفر الكبائر لأصحاب الكبائر والجرائم لأصحاب الجرائم لمن يشاء ما لم يكن شركاً، بل وحتّى الشرك للتائب ما معنى قسوته على نبيّ صدر منه الغضب لله على الأُمّة الكافرة، فدعا عليهم، فيؤدّبه على هذا العمل الذي يكون أشدّ تعبير عنه هو أن نفترضه تركاً للأولى، ويكون التعبير اللطيف عنه هو أن ندخله تحت عنوان حسنات الأبرار سيّئات المقربين، ويكون تأديبه بسجنه في بطن الحوت، ثُمّ يقسو عليه لولا كونه من المسبّحين بفرض اللبث في هذا السجن إلى يوم يبعثون؟!

ثُمّ قلْ لي: ما معنى بكاء إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) على ذنوبه، وبثّه وشكواه وقوله: «إلهي اُفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثُمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليّتي...» إلى أن أنعم في البكاء، فلم يسمع أبو الدرداء له حساً ولا حركةً، قال: «... فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرّك، وزويته فلم ينزو، فقلت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، مات والله عليّ بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة(عليها السلام): يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قِصّته؟


(1) السورة 40، غافر، الآية: 55.

(2) السورة 47، محمّد(صلى الله عليه وآله)، الآية: 19.

(3) السورة 37، الصافات، الآيتان: 143 ـ 144.