المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

17

العقلاء، وتأتي هنا نفس الوجوه الأربعة: فإمَّا أَن يُدَّعى أنَّ مقنِّن القانون ـ وهم الأكثريّة المشتركون في تقنينه ـ له حقُّ الولاية على مَنْ أراد مخالفة القانون، أو يُدَّعى أنَّ الحسن والقبح أمران جعليان واعتباريان يُجعلان عن طريق جعل القانون، أو يُدَّعى أَنَّ مَنْ ساهم في جعل هذا القانون ولو بمعنى مساهمته لإمضاء جعل حقِّ تشريع القانون بيد الأكثرية، لا ينبغي له أن يخالف وعده وشرطه، بل يجب عليه الوفاء بذلك، أو يُدَّعى أنَّ القانون حافظ للمصالح ودافع للمفاسد. ومناقشة هذه الوجوه ـ أيضاً ـ هي عين المناقشات الماضية في المِقياس السابق.

نعم، يمتاز هذا المِقياس عن المقياس السابق بأنَّ انطباق عنوان الوفاء بالشرط والالتزام هنا قد يكون أوضح وأوسع من انطباقه على المِقياس الأوَّل، أعني: العرف وبناء العقلاء؛ وذلك على أساس الفكرة المعروفة في بناء أساس الدولة عن جان جاك روسو.

وهناك رأيٌ يقول: بأنَّ مَنْ رأَى عدم صحّة قانون ومخالفته للمصلحة فما دام القانون قائماً يجب على هذا الشخص كسائر الناس اتِّباعه، إلاَّ أنَّه يجدُّ ويجتهد في تغيير القانون بمثل: تقديم اقتراح على مجلس النوَّاب يوضِّح فيه ضرر هذا القانون، وكالكتابة في الجرائد وما إلى ذلك، وفي أثناء جهاده في تغيير القانون يجب أن يحترمه ويخضع له، كما جاء في كتاب الأخلاق لأحمد أمين(1)، قال: «ومن خير الأمثلة على ما يجب أن يعمل في مثل هذا الموقف ما حُكي عن جُون همْبدِنْ (Hampden) أحد أعضاء البرلمان الانجليزي في حكم شارل الأوّل، ذلك أنّ الملِك سنة 1636 م كان في حاجة إلى المال، ففرض على الأهالي ضريبة من غير أن يستشير البرلمان في فرضها، واحتجّ أعوان الملِك بأنَّ له الحقَّ قديماً أن يفرض الضرائب من غير برلمان، واحتجَّ معارضوه بأنَّ سلطة الملِك قد تقيَّدت


(1) كتاب الأخلاق: 154 ـ 155.