المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

14

وأَمَّا المرحوم آية الله الشيخ الإصفهاني(قدس سره) فقد صرَّح ـ أيضاً في بحث التجرِّي ـ بأنَّ هذه القضايا داخلة في القضايا المشهورة المسطورة في علم الميزان في باب الصناعات الخمس. وبَرْهَن على عدم كونها قضايا برهانيَّة أو مضمونة الصحَّة(1).

ولكنْ لم أَجد له تصريحاً بأنَّ هذه القضايا أو مطلق ما يُسمّى بالقضايا المشهورة لا واقع لها إلاَّ شهرتها.

والواقع: أَنَّ إرجاع الحسن والقبح إلى جعل العرف أو العقلاء يساوق ـ في الحقيقة ـ إنكار واقع الحسن والقبح؛ لأنَّ ما يكون قابلاً للجعل والاعتبار، ويكون أَمره بيدِ الجاعل والمُعتبِر، إنّما هو عنوان الحسن والقبح لا واقعهما، فَمَنْ يدرك بضميره وجود حسن وقبح حقيقيّين، أو فضيلة ورذيلة واقعيّتين، لا يصحُّ له أَنْ يذهب إلى هذا المقياس.

والثالث: دعوى أَنّ ما تطابق عليه العرف أو العقلاء، قد أعطى كلُّ إنسان عرفيِّ أو كلُّ عاقل التزاماً بالوفاء به، وباتِّباع ما عليه العرف أو العقلاء، ويجب عقلاً الوفاء بهذا الالتزام. فالمِقياس الأصليّ ـ في الحقيقة ـ هو الوفاء بالالتزام، أو قلْ: هو حكم العقل المنطبق مصداقاً على هذا الوفاء.

ولكن لو صحَّ هذا لأمكن لكلِّ فرد أن يتحرَّر من جميع الأخلاقيَّات بعدم إعطاء التزام من هذا القبيل، فيصحُّ له مثلاً ضرب اليتيم، أو الأخذ في فصل المرافعات بجانب الظالم لا المظلوم، وما إلى ذلك ممَّا هو خلاف ما يحكم به الوجدان والضمير، سواءٌ التزمنا باتِّباع العرف أو العقلاء أو لم نلتزم.

وخلاصة الأَمر: أَنَّ إدراك الضمير للقضايا الخُلُقيّة لا يدور مدار هذا الالتزام نفياً وإثباتاً.

والرابع: دعوى أَنَّ تطابق آراء العرف أو العقلاء على الآراء المحمودة والآداب


(1) راجع نهاية الدراية 2 / 8 .