المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

124

بعثني إليك لتأتيه، فطرح كلُّ إنسان منهم ما في يده حتّى كأنّ على رؤوسهم الطير . فقالت له امرأته: سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه؟! لو تأتيه فسمعتَ كلامه، ثُمّ انصرفت. فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقلِه ومتاعه فقوّض وحمل إلى الحسين(عليه السلام)، ثمّ قال لامرأته: أنت طالق، الحقي بأهلك فإنّي لا أُحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خير، وقد عزمتُ على صحبة الحسين لأُفديه بروحي وأقيه بنفسي، ثُمّ أعطاها مالها، وسلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها، فقامت إليه، وبكت، وودّعته، وقالت: خار الله لك، أسألك أن تذكرني في يوم القيامة عند جدّ الحسين (عليه السلام). ثُمّ قال لأصحابه: مَنْ أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فهو آخر العهد، إنّي سأحدّثكم حديثاً: إنّا غزونا البحر ففتح الله علينا، وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان: أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم، فقال: إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد(صلى الله عليه وآله) فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه ممّا أصبتم اليوم من الغنائم، فأمّا أنا فأستودعكم الله. قالوا: ثُمّ والله مازال في القوم مع الحسين حتّى قُتِلَ(رحمه الله) (1).

هكذا يعلّم الإسلام الإنسان درس التضحية والفداء بمحض اختياره وتمام


(1) البحار 44 / 371 ـ 372. أمّا ماجاء فيه من كلمة (إنّا غزونا البحر) فيبدو أنّه قد ورد في بعض نسخ التأريخ: (إنّا غزونا البحر من بلاد الخزر)، وفي بعض نسخ التأريخ: (إنّا غزونابلنجر من بلاد الخزر). راجع بهذا الصدد الدوافع الذاتيّة لأنصار الحسين تأليف محمّد عليّ عابدين: 155.

وقد ورد في كتاب معالم المدرستين للسيّد العسكري حفظه الله المجلد الثالث: 79 حسب الطبعة الرابعة: (غزونا بلنجر، ففتح الله علينا، وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهلي: أفرحتم...). وقد نقل الرواية عن الطبري: 6 / 224 ـ 225، وقال تحت الخط: سلمان المذكور هو ابن ربيعة الباهلي، أرسله الخليفة عثمان لغزو اران من آذربايجان، ففتح كورها صلحاً وحرباً، وقتل خلف نهر بلنجر. فتوح البلدان: ص240 ـ 241. وراجع ترجمته في أُسد الغابة: 2/225. انتهى مافي تحت الخط من كتاب السيّد العسكري حفظه الله.