المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

121

وقد رُوِيَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنّه سُئِلَ عن معنى قوله تعالى: ﴿... عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ...﴾ فقال (صلى الله عليه وآله): «ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت دنياً مؤثرة وشحاً مطاعاً وهوىً متّبعاً وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك، وذر عوامهم»(1).

وحينما وجب الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح الإتيان بذلك جزءاً من مفاد قوله تعالى: ﴿... عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ...﴾؛ لأنّ ترك ذاك الواجب يضرّ بأنفسنا.

ولو صحّ ما يقوله بعض المنحرفين: من أنّ الإنسان يصل بتهذيب النفس والتجرّد عن سُمك المادّة إلى حدّ يذوب ذوباناً حقيقيّاً في الله، فلا يبقى إلاّ الله نفسه، لكان كلا النقصين اللذين أشرنا إليهما في النفس البشريّة يرتفعان بذلك؛ لأنّه كان هو الله سبحانه وتعالى، وصحّ له أن يقول: ليس في جبّتي إلاّ الله.

ولو كان كلامهم هذا جدّياً وعلى نحو الاعتقاد لا الكذب والدجل، كان جوابه الفلسفي: أنّنا لو آمنّا بأنّه ليس في الوجود إلاّ الله، وأنكرنا أيَّ وجود آخر حتّى الوجود التعلّقي، فهذا المقام ثابت للإنسان، بل لأيّ موجود قبل تهذيب النفس والتزكيّة؛ لأنّه أمر واقعي وأساسي منذ البدء، والتعبير بالإنسان أو بأيّ موجود ليس إلاّ تعبيراً اعتبارياً وعلى أساس ضيق التعابير. ولو لم نؤمن بذلك فالذوبان الحقيقي مستحيل، وتهذيب النفس لا يؤدّي إلى ذلك حتّى لو فُرِضَ التجرّد عن المادّة حقيقة قبل الموت، أو وصلنا إلى الموت الإرادي وافترضنا أنّه يساوق التجرّد عن المادة؛ فإنّ النقص البشري ليس فقط في الجانب المادّي حتّى يُفترض أنّ التخلّص عن هذه المادّة والتجرّد الحقيقي عنها ـ لو أمكن ـ لا يُبقي فرقاً بينه


(1) تفسير «نمونه» 5/110.