المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

120

نفسه، في حين أنّ الآخرين ـ أيضاً ـ هم عباد الله، والله ـ تعالى ـ يريد مصلحتهم.

والثاني: سُمك المادّة الذي حجبه عن المصالح المعنويّة والأُمور الروحانيّة.

ولربما يخفّف بعض الضيق الأوّل، فتراه يهتمّ بمصالح غيره ولو في إطار من القوميّة مثلاً والذي هو إطار ضيّق بالقياس إلى إطار البشريّة أو إطار المذهب الصحيح، ولكنّه لم يخفّف عن نفسه سُمك المادة، بل ربّما لا يكون مؤمناً بما وراء المادّة، ولا يؤمن بالله العليّ العظيم وإن كان من صفته وشيمته الاهتمام بقومه أو بالإنسانيّة مثلاً.

ولربّما ترى بعض أهل العرفان (غير العرفان الصحيح الذي أراده الإسلام) يعكس الأمر، فقد يخفّف حجاب سُمك المادّة عن بصيرته، ويلتذّ بلقاء الله بالمعنى المعنوي من اللقاء، ولكنّه يحصر ذلك في إطار نفسه؛ لأنّه يعيش ضيق اُفق النفس، فلا يهمّه الآخرون ويقول: إنّ علاج الآخرين إنّما يصحّ لي حينما لا يضر بحالتي العرفانيّة أو يزاحمها. وقد تراه يستدلّ بقوله سبحانه وتعالى: ﴿... عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ...﴾(1) غفلةً عن أنّ معنى الآية المباركة لو كان ذلك لكانت الآية في تناقض مع آيات الجهاد وآيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذن فمعنى الآية ليس هو هذا، فإنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، وإنّما معنى الآية: عدم التحسّر على الذين لا ينفعهم الإرشاد والهداية. فوزان الآية وزان قوله تعالى: ﴿... فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات ...﴾(2) وقوله تعالى: ﴿... وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ...﴾(3).


(1) السورة 5، المائدة، الآية: 105. وراجع بهذا الصدد كتاب روح مجرّد: 598 كي ترى نموذجاً من هذا الاستدلال.

(2) السورة 35، فاطر، الآية: 8 .

(3) السورة 16، النحل، الآية: 127، والسورة 27، النمل، الآية: 70.