المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

119

الإسلام والمسلمين، أو انشغاله عن أمر الآخرة. وقد مضى كلام أمير المؤمنين(عليه السلام)للعلاء بن زياد: «ما كنت تصنع بسَعة هذه الدار وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج، وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة...».

والثانية: أنّ التنعّم بتلك النعم المحلّلة لا ينبغي أن يصل إلى مستوى تعلّق القلب بها، فيأسو على ما فاته، بل ينبغي أن يكون في الرضا بقضاء الله على مستوى بحيث لو عاش في اليوم الأوّل غارقاً في النعم وفي اليوم الثاني فاقداً لها جميعاً لكان وضعه النفسي سواءً، وذلك تسليماً لما يرضاه الله تعالى وثقةً بأنّه سبحانه وتعالى لا يقدّر إلاّ ما فيه الخير والصلاح. وهذا هو الزهد المفهوم من قوله سبحانه وتعالى: ﴿لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ...﴾(1) فالزهد الحقيقي هو أن لا يملككَ شيء، لا أن لا تملك شيئاً.

والطريق الثاني: الابتعاد عن الخدمات الاجتماعيّة والسياسيّة للإسلام وللمسلمين، والتفرغ للخلوة مع الله سبحانه وتعالى وتزكية النفس، وهذا ـ أيضاً ـ غير صحيح، فإنّه خلاف مقام خلافة الإنسان لله على وجه الأرض، وخلاف ضرورة الاهتمام باُمور المسلمين، وخلاف طريقة تربية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه.

والطريق الثالث: هو العمل في خطّين متوازيين في وقت واحد:

أحدهما خطّ الخلوة مع الله وتصفية الباطن عن طريق مدارسة الوضع الباطني والاهتمام به. والثاني خط الاهتمام باُمور الإسلام والمسلمين. وهذا هو الطريق الصحيح.

وتوضيح المقصود: أنّ في النفس البشريّة نقصين لابدّ من علاجهما في مقام السلوك إلى الله وارتقاء مدارج الكمال:

الأوّل: ضيق أُفق نفس الشخص عن مصالح غيره وعدم الاهتمام إلاّ بمصالح


(1) السورة 57، الحديد، الآية: 23.