المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

115

رجل يدعو على والديه، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في البيت يقول: يا ربّ ارزقني ولا يخرج يطلب الرزق، فيقول الله ـ جلّ وعزّ ـ: عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة؟ فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري، ولكي لا تكون كَلاًّ على أهلك، فإن شئت رزقتك، وإن شئت قترت عليك وأنت معذور عندي، ورجل رزقه الله مالاً كثيراً، فأنفقه، ثمَّ أقبل يدعو يا ربّ ارزقني، فيقول الله: ألم أرزقك رزقاً واسعاً؟! أفلا اقتصدت فيه كما أمرتك، ولم تسرف كما نهيتك. ورجل يدعو في قطيعة رحم».

ثُمَّ علّم الله نبيّه كيف ينفق؛ وذلك أنّه كان عنده أوقية من ذهب فَكَرِه أن تبيت عنده، فصدّق، وأصبح ليس لديه شيء وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل، واغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيماً رفيقاً، فأدّب الله نبيّه بأمره إيّاه فقال: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً﴾(1).

يقول: إنّ الناس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك كنت قد حسرت من المال.

فهذه أحاديث رسول الله يصدّقها الكتاب، والكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين.

وقال أبو بكر(2) عند موته: أُوصي بالخمس والخمس كثير، فإنّ الله قد رضي بالخمس، فأَوصى بالخمس، وقد جعل الله له الثلث عند موته، ولو علم أنّ الثلث خير له أَوصى به.


(1) السورة 17، الإسراء، الآية: 29.

(2) كأنّ هذا احتجاج معهم بأبي بكر باعتبارهم من السُنّة.