المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

113

الذي هم عليه من التقشّف، فقالوا: إنّ صاحبنا حَصِرَ عن كلامك، ولم تحضره حجّة(1).

فقال لهم: هاتوا حججكم. فقالوا: إنّ حججنا من كتاب الله. قال لهم: فأدلوا بها، فإنّها أحقّ ما اتُّبع وعمل به.

فقالوا: يقول الله تبارك وتعالى يخبر عن قوم من أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله): ﴿ ... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(2). فمدح فعلهم، وقال: في موضع آخر ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾(3) فنحن نكتفي بهذا.

فقال رجل من الجلساء: إنّا ما رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيّبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتّى تتمتّعوا أنتم منها.

فقال له أبو عبدالله(عليه السلام): دعوا عنكم مالا ينتفع به(4).

أخبروني أيّها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه، ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضلّ من ضلّ وهلك من هلك من هذه الأُمّة؟ فقالوا له: أو بعضه فأمّا كلّه فلا. فقال لهم: من هنا أُتيتم، وكذلك أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله).

فأ مّا ما ذكرتم من إخبار الله إيّانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم، فقد كان مباحاً جائزاً، ولم يكونوا نهوا عنه، وثوابهم منه على الله؛ وذلك أنّ الله ـ جلَّ وتقدّس ـ أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخاً لفعلهم، وكان نهي الله


(1) أي: أنّ سفيان الثوري لم تحضره الحجّة فعجز عن الجواب، ونحن لدينا الحجّة، ومستعدون للاحتجاج عليك بها.

(2) السورة 59، الحشر، الآية: 9.

(3) السورة 76، الإنسان، الآية: 8 .

(4) كأنّه خطاب للرجل المعترض عليهم، أي: اتركوا الجدال في أنّهم هل يعملون بما يقولون أو لا؛ كي ننشغل بالبحث عن أصل صحّة ما يقولون وفساده.