المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

103

الْخَاشِعِينَ﴾(1).

فمن يصلّي بهدف التخلّص من مسؤوليّة الوجوب، وليس بدافع خشوعه القلبي لله واستغراقه في ذات الله، يحسّ بثقل الصلاة، ويتمنّى في أثناء صلاته بين آونة واُخرى أن تنتهي الصلاة كي لا تشغله عن أعماله وعن علاج مشاكله التي هو مصاب بها، فَمَثله مثل رجل مريض يراجع الطبيب، وينتظر في صفّ المرضى المنتظرين ولو لعدّة ساعات، ويتحمل ذلك لعلمه بأنّ هذا لابدّ له منه علاجاً لمرضه أو نجاةً من الموت الاحتمالي، لكنّه يتمنّى في كلّ لحظة أن تنتهي هذه المراجعة كي يفرغ لسائر أعماله وهمومه. أمّا من يتشرف بلقيا عظيم من العظماء كالسيد الإِمام(رحمه الله) أو السيّد الشهيد الصدر(رحمه الله) ممّن يكون خاشعاً له مستغرقاً في حبِّه ملتذّاً بحضوره لديه فقد تمضي عليه الساعات الطوال ولا يحسّ أصلاً بمرور الزمن، فكأنّ هذا هو معنى قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾، أي: أنّ غير الخاشع إن كان يصلّي يرى أنّ صلاته قد زاحمت أعماله وأشغاله الأُخرى، فهو قد يأتي بالصلاة باعتبار اعتقاده بوجوبها، لكنّه يحسّ بثقلها ومشقّتها. وأ مّا الخاشع فهو الذي يلتذّ بالصلاة، فلا يحسّ بثقلها، وكأنّه يغفل عن مرور الزمن عليه في حال الصلاة.

للهِ قومٌ إِذا ما الليل جنّهمو
قاموا من الفرشِ للرحمنِ عُبَّادا
ويركبون مطايا لا تملُّهمو
إذا هُمو بمنادي الصبحِ قد نادا
هُمو إذا ما بياضُ الصبحِ لاحَ لهم
قالوا من الشوقِ ليت الليلَ قد عادا
الأرضُ تبكي عليهم حينَ تفقدُهمْ
لأنّهم جعلوا للأرضِ أوتادا

ثُمّ إنّني لا أتصوّر أن تكون الصلاة التي هي كبيرة إلاّ على الخاشعين عبارة عن صلواتنا التي قد تكون نقراً كنقر الغراب، أو لا تستغرق إلاّ خمس دقائق،


(1) السورة 2، البقرة، الآية 45.