معنى قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ هو: أ نّي جاعل في الأرض مَن يخلفني، أي: يخلف الله تبارك وتعالى على وجه الأرض.
ولعلّ هذا الأساس هو الذي أثار غيرة الملائكة ـ إن صحَّ التعبير ـ عند سماعهم لذلك الخطاب، فأخذوا يقولون: لماذا لا نكون نحن خلفائك؛ إذ إنّنا نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك، فلماذا تتخذ من غيرنا خلفاء لك على وجه الأرض؟
فالمقصود بكلمة ﴿خَلِيفَة﴾ على هذا الاحتمال هو: خليفة الله تعالى، وهذه الصفة ـ صفة الخلافة ـ ليست صفةً لشخص آدم(عليه السلام)، وإنّما هي صفة للبشريّة كلّها، فهي لآدم(عليه السلام) ونسله، والذي يؤيّد هذا الاحتمال هو قول الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾، فآدم (عليه السلام) ليس مفسداً في الأرض وليس سفّاكاً للدماء، وإنّما الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء هم نسل آدم، وأمّا آدم(عليه السلام)، فهو أنزه وأعلى مقاماً من أن يفسد أو يسفك دماً.
فالملائكة عندما سألوا وقالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، كأنّما فهموا من كلام الله تبارك وتعالى أنّ البشريّة كلّها هي الخليفة وليس شخص آدم فحسب، ولهذا فإنّهم اعترضوا على خلافة البشريّة التي ستُفسد في الأرض وتسفك الدماء، وقولهم: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾يعني: فلماذا تكون البشريّة هي الخليفة دوننا إذن ؟
3 ـ أن يكون لفظ الـ ﴿خَلِيفَة﴾ هنا صفة لآدم(عليه السلام) فقط دون البشريّة.
وهذا الاحتمال أيضاً وارد بالنسبة إلى الآية المباركة.