تناقضوا في مواقفهم وسبّبوا الحرج تلو الحرج للإمام(عليه السلام)، فهل يمكن بعد ذلك استعادة الثقة بهم والاعتماد عليهم في المسائل الحسّاسة والخطرة؟!
النقطة الثانية: هي أنّ أخلاق الإمام(عليه السلام) لا تسمح بنقض العهد الذي أبرمه في مسألة تحكيم الحكمين، وكما هو معلوم فإنّ الإسلام يحثّ المؤمنين على التزام عهودهم حتّى ولو كانت مع المشركين. قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾(1). وقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾(2)، ومعنى هذه الآية الأخيرة هو: أنّه لو أخذ مشرك الأمان بغرض المجيء وسماع كلمة الحقّ، لكنّه بعد ذلك لم يذعن للحقّ، ولم يؤمن به، وأراد الرجوع من حيث أتى، فلا يجوز حينئذ الغدر به وقتله بدعوى استمراره على الضلالة، بل الواجب إبلاغه إلى مأمنه سالماً.
وبهذا فإنّ الإمام لم يجد بُدّاً من الاستمرار على العهد الذي اُبرم معه في مسأله الهدنة مع معاوية وتحكيم الحكمين، ولم تكن المبرّرات متوافرة وقتئذ لاعتبار العهد لاغياً أو منقوضاً. لقد كان للإمام عليٍّ(عليه السلام) في ذلك اُسوة حسنة برسول الله(صلى الله عليه وآله) في تعاهده على الصلح مع المشركين في الصلح الذي عُرف بصلح الحديبيّة.