في مرحلة تصاعد المعنويات وارتفاعها، وفي لحظة زخم ثوري سليم باتجاه القضاء على الانحراف ومحاولة بناء تجربة إسلاميّة صحيحة، وكان الإمام عليّ (عليه السلام) بصدد استثمار هذه الحالة وتوظيفها في بناء المجتمع الجديد. فالمهمّات التي كانت أمام الإمام تحتاج إلى هذا النوع من الطاقة الحراريّة والوعي، وبدونهما لا يمكن خوض غمار الجهاد لإعادة بناء المجتمع والدولة، الأمر الذي لا يسمح بمهادنة معاوية وإبقاء الباطل ولو مؤقّتاً؛ لأنّ مهادنته تعني قتل هذه الروح لما تؤدّيه من الشكّ في حقّانيّة الإمام(عليه السلام) ومبدئيّته.
3 ـ لقد جاء الإمام(عليه السلام) وهو بصدد القضاء على مظاهر الفساد الحكومي والإداري الذي خلّفه معاوية في الدولة والمجتمع الإسلاميّ، واجتثاثه مع جميع تأثيراته وجهازه الإداري الفاسد، ولم يكن بالإمكان ـ حتّى في منطق السياسة ـ إقرار معاوية ومهادنته؛ لأنّ من شأن هذا الإقرار توطيد سلطته وإسباغ الشرعيّة على نظامه الحكومي والإداري، وهذا يتناقض مع ما كان يستهدفه الإمام من إضعاف موقف معاوية وصولاً إلى إزالته من الشام، كما أنّه يتناقض مع ما كان يستهدفه الإمام من إفهام الناس حقيقة المعركة بينه وبين معاوية.
4 ـ لم يكن الإمام(عليه السلام) ضعيفاً حين تسلّم منصب الخلافة، وكانت جميع المؤشّرات تؤكّد انتصار الإمام على خصمه المنكفئ في الشام الحريص على إبقائها تحت سلطته، متشبّثاً بشعار المطالبة بدم الخليفة الثالث، وملمِّحاً إلى اتّهام الإمام عليّ(عليه السلام) في ذلك، وعلى