منبر رسول الله، فنهاهم الإمام(عليه السلام) عن فعل ذلك مشيراً إلى ردود الفعل المضادّة من جهة، وقلّة عددهم من جهة ثانية، وحبّذ لهم الذهاب إلى مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) واستغلال فرصة وجود الخليفة في المسجد للتحدّث معه ومحاججته ونصحه، وفعل الصحابة ما بدا لهم من نصيحة الإمام عليّ (عليه السلام)، فذهبوا إلى المسجد، وكان الخليفة الأوّل مرتقياً المنبر، فقام كلّ واحد منهم وتكلّم معه بكلام مفصّل وحاججه إلى أن اُفحم الخليفة ولم يستطع الجواب سوى أنّه قال ـ أمام الناس ـ قولته المشهورة: «وليتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني»(1)! ونزل الخليفة من على المنبر وطفق هو وصاحبه هامّين بالخروج من المسجد. ويذكر التأريخ أيضاً: أنّهما مكثا في بيتهما ثلاثة أ يّام متواريَين عن الناس، ولم يحضرا المسجد خشيه تكرار مثل ما حدث(2).
أمّا على صعيد تقويم السلطة وتسديدها بالنصح والإرشادات حفاظاً على التجربة الإسلاميّة من الانهيار، فالتأريخ سجّل لنا الكثيرَ من المواقف المهمّة التي وقفها الإمام(عليه السلام) من الخليفتين الأوّل والثاني، وكيف كان حاضراً في أوقات شدّتهما وحرجهما حتّى قال الخليفة الثاني مادحاً الإمام في هذا الصدد: «لا أبقاني الله لمعضلة لم
(1) روي حديث إقالته في المعجم الأوسط 8: 267، ولفظه: «إنّي قد أقلتكم رأيكم إنّي لست بخيركم»، وفي الإمامة والسياسة 1: 31: «لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي»، وقد تكرّر النقل بألفاظ قريبة في مواطن اُخرى.
(2) البحار 28: 189 ـ 204.