على أساس معرفتهم السابقة بالأحداث والوقائع؟ وكيف إذن يتمّ التوفيق بين استجابتهم للأحداث وفق ذلك العلم وبين ما يُتراءى من توافق استجاباتهم مع الأسباب الظاهريّة المألوفة؟
والجواب المعقول عن هذا الاستفهام هو: أنّ الأئمّة كانوا يعملون ويخطّطون لقضايا المجتمع، ولِما تواجههم من أحداث بمستوى طبيعي من السلوك وفق السنن والعلل الظاهرة لها، وكان علمهم الخاصّ أمراً يوفّر لهم رؤيةً وعمقاً واقعيّاً ومستقبليّاً لإدراك ماهيّة القضايا الاجتماعيّة إدراكاً صحيحاً من شأنه تعزيز قدراتهم القياديّة ومهمّاتهم التغييريّة في المجتمع.
فالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) كان يعلم بأنّ الكثير من أصحابه سوف يرتدّون بعده، وكان يعلم بنواياهم، ومستويات تديّنهم وإيمانهم ـ وقد ورد عن أئمّتنا(عليهم السلام): «ارتدّ الناس بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلّا ثلاثة»(1) ـ ومع ذلك كان عمله وتخطيطه للاُمور يجري بشكل طبيعي وفق ظواهر الاُمور ومجريات السنن الطبيعيّة، فمثلاً عندما جهّز الرسول جيش اُسامة بن زيد وأمر بعض الصحابة بمرافقة الجيش تحت إمرته كان(صلى الله عليه وآله) يعلم بأنّ اُولئك (الصحابة) المأمورين بمرافقة الجيش سوف لن يخضعوا لأمره ولن يطيعوه، ولكنّه(صلى الله عليه وآله) لم يعمل بعلمه السابق عنهم، بل عمل بظاهر الحال ريثما تظهر النتائج بشكل طبيعي. والأمر نفسه عندما أفضى الرسول بعلمه لابن عمّه ووصيّه الإمام
(1) البحار 34: 274.