قال الله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين﴾(1).
هذه الــ ﴿كَلِمَات﴾ التي ابتلى الله بها إبراهيم(عليه السلام) لا يقصد بها ـ على مايبدو ـ عبائر وألفاظ، وإن رأيت أنّ بعض الروايات قد فسّرت الــ ﴿كَلِمَات﴾ بشيء من هذا القبيل، فعلى أغلب الظنّ أنّ المقصود بالــ ﴿كَلِمَات﴾ هنا وقائع واُمور واقعيّة، فهي من سنخ قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ... ﴾(2). فالــ ﴿كَلِمَة﴾ هنا لا يقصد بها عبارة ما أو لفظ ما أو اسم ما، وإنّما يقصد بها عيسى نفسه(عليه السلام).
وهي أيضاً من سنخ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(3)، وذلك بناءً على الاحتمال الثاني من الاحتمالين في تفسير هذه الآية، فإنّها تفسّر بتفسيرين:
الأوّل: أن يكون الضمير المؤنّث في ﴿جَعَلَهَا﴾ راجعاً إلى كلمة التوحيد التي أطلقها إبراهيم(عليه السلام) بقوله: ﴿إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ...﴾،
(1) سورة البقرة، الآية: 124.
(2) سورة آل عمران، الآية: 45.
(3) سورة الزخرف، الآية: 26 ـ 28.